بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
- أخبر الله تعالى أنه : خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ
جاء في كتاب البرهان :
قوله تعالى: {خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} ثم قال تعالى: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} ثم قال: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} ، {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} فظاهره ثمانية أيام، وقال تعالى في عدة مواضع: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}
الجواب :
أنه أضاف اليومين اللذين دحي فيهما الأرض، وأخرج ماءها ومرعاها إلى اليومين اللذين خلق فيهما الأرض فصارت أربعة أيام.
فقوله تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا} إلى آخره، معطوف على {خَلَقَ الْأَرْضَ} تقديره: خلق الأرض وجعل فيها رواسي وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام.
قوله تعالى: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} أي مع اليومين اللَّذين تقدّما في قوله: {خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} كيلا يزيد العدد على ستَّة أَيّام، فيتطرّق إِليه كلام المعترض.
وإِنما جَمَع بينهما ولم يذكر اليومين على الانفراد بعدهما؛ لدقيقة لا يهتدى إِليها إِلا كلّ فطن خِرِّيت وهى أَنَّ قوله: {خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} صلة {الَّذِي} و{وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا} عطف على {لَتَكْفُرُونَ} و{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ} عطف على قوله: {خَلَقَ الأَرْضَ} وهذا ممتنع في الإِعراب لا يجوز في الكلام، وهو في الشعر من أَقبح الضرورات، لا يجوز أَن يقال: جاءَنى الذي يكتب وجلس ويقرأُ: لأَنَّه لا يحال بين صلة الموصول وما يُعطف عليه بأَجنبىّ من الصّلة؛ فإِذا امتنع هذا لم يكن بُدّ من إِضمار فعل يصحّ الكلام به ومعه، فيضمر {خَلَقَ الأَرْضَ} بعد قوله: {ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} فيصير التقدير: ذلك ربّ العالمين، خَلَق الأَرض وجعل فيها رواسى من فوقها، وبارك فيها، وقدّر فيها أَقواتها، في أَربعة أَيّام؛ ليقع هذا كلَّه في أَربعة أَيام.
فسقط الاعتراض والسّؤال.
قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} و{ثُمَّ} تقتضي الترتيب، فظاهره أن تسوية السماء بعد دحي الأرض وأقواتها وبركاتها، وقد قال تعالى في النازعات: {والأرض بعد ذلك دحاها}؟.
جوابه:
أن {ثُمَّ} قد تأتى لترتيب الأخبار لا لترتيب الوقائع المخبر عنها، فيكون تقديره: ثم يخبركم أنه: {اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} الآية، ونحوه قوله تعالى في سورة الأنعام: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} بعد قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} وهو كثير في القرآن وكلام العرب، ومنه البيت المشهور وهو أن: من ساد ثم ساد أبوه ثم ** قد ساد بعد ذلك جده
قوله: {وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} وبعده: {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ}
لا منافاة بينهما؛ لأَنَّ معناه: قَنُوط من الصّنم، دَعَّاء لله.
وقيل: يئوس قَنُوط بالقلب دَعَّاء باللِّسان.
جاء في البرهان : لا منافاة بينهما لأن معناه قنوط من الضيم دعاء الله وقيل يئوس قنوط بالقلب دعاء باللسان وقيل الأول في قوم والثاني في آخرين وقيل الدعاء مذكور في الآيتين و{دعاء عريض} في الثاني.
قوله تعالى: {فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ}. وفي القمر: {فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ}، وفي الحاقة: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا}.
جوابه:
أن اليوم يعبر به عن الأيام كقولهم: يوم الحرة، ويوم بعاث، وقد يراد به اليوم الذي بدأ به الريح، يقال: كان آخر أربعا في الشهر.
قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا} وقال في هود: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ} ولم يقل: مِنَّا.
جوابه:
أن آية هود تقدم فيها لفظ مِنَّا في قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ} فتركت ثانيا للدلالة عليها أولا. ولم يتقدم هنا ذلك.
461- قوله: {ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته} 50 بزيادة منا ومن وفي هود: {ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته} 10 لأن ما في هذه السورة بين جهة الرحمة وبالكلام حاجة إلى ذكرها وحذف في هود اكتفاء بما قبله وهو قوله: {ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة} 9 وزاد في هذه السورة من لأنه لما حد الرحمة والجهة الواقعة منها حد الطرف الذي بعدها ليتشاكلا في التحديد وفي هود لما أهمل الأول أهمل الثاني.