فلما جاء العصر الثاني خضعت النقول المتعلقة بالأخبار التفسيرية للناموس العام للأحاديث والأخبار النبوية: من احتمال الاختلاف والخلط ، والمجازفة والوضع ؛ أو الثبات ، والإتقان ، والتحري ، والتصحيح ، فشملته قواعد النقد التي وضعت للأخبار بصفة عامة ، وترتبت في منازل المحدثين ، وتعين المتهمون بالوضع والموسومون بالضعف وتمحصت الأحاديث بتأييد بعضها ببعض ، ورد بعضها لبعض وطرحت الأحاديث الضعيفة والروايات المنكرة ، للصحيح المشهور ، الذي نقله الثقات المعروفون بالصدق والأمانة.
وتحت ذلك التيار الباهر ، من أنوار النقد والتمحيص ، برزت الوجوه المنضرة النيرة التي تحققت فيها الدعوة النبوية: وجوه الممتازين بإتقان الرواية وضبط الأخبار ، وتصحيح الأحاديث ، فأصبحوا مرجوعاً إليهم في طلب المعارف التفسيرية مشاراً إليهم بذلك ، يتواصى بهم الطالبون ، وتضرب إليهم أكباد الإبل في طلب العلم.
فكما عرف رجال بصدق الحديث وإتقانه في عامة السنن والسير ، وعرف رجال بالاجتهاد والفقه ، فرُجع إلى هؤلاء وهؤلاء فيما تميزوا بإتقانه من أمر الأثر ، أو من أمر النظر ، فقد امتاز رجال آخرون بأنهم أثبات الأخبار ، وحجج الآثار ، في تلك الشعبة المستقلة من الحديث ، الممتازة بغاياتها المرتبطة بفهم القرآن ، وهي شعبة الأخبار التفسيرية أو التفسير بالمأثور ، في ما يرجع إلى فرعي أسباب النزول ومبهمات القرآن.