كان المفسرون الأولون مأخوذين بلزوم الالتفات إلى القراءات والاعتماد عليها ، حتى إن رجحان قراءة من القراءتين يرجح أحد المعنيين المفروضين في تفسير الآية ، وأن رجحان أحد المعنيين قد يرجح أيضاً إحدى القراءتين على الأخرى ، فكان عنصر القراءة الذي دخل في تفاسير القرن الثاني استمداداً لقضايا منقولة من علم القراءات استخدمت في إيضاح المعاني وتقريرها.
وأما العنصر الآخر ، وهو عنصر الإعراب ، فإن التراكيب القرآنية لما كانت عربية ؛ كان فهم معانيها وتحصيل فوائدها متوقفاً على استيعاب المعنى التي تفيده الألفاظ بالتركيب ، تبعاً لقانون تأليف الجملة العربية ، ولما كانت الطبائع السليمة والسلائق الصافية هي المرجع في استفادة المعاني من تراكيبها ، لما كانت الأمة العربية بعيدة عن الاختلاط ، وملكتها اللغوية متينة ثابتة ، فلم تكن هناك قواعد مقررة ، ولا قوانين مدونة ، لأن الملكات والسلائق مغنية عنها.