*****
من عبد القاهر
إلى الزمخشري
وابن عطية
منذ بدأ أهل السنة يجاذبون المعتزلة أعنة البحث والنظر ، ويداولونهم ميادين الكلام والتأويل ، في أوائل القرن الرابع ، بدأ سلطان المعتزلة على التفسير العلمي يتضعضع ، ونفوذهم على مسالك التأويل يتقلص.
وزاد ذلك السلطان تضعضعاً ، وذلك النفوذ تقلصاً ، بانتزاع أهل السنة زمام فن آخر ما يتصل بتفسير القرآن ، من جهة ثانية ، اتصالاً قد يكون أوثق من اتصال علم الكلام به من الجهة الأولى ونعني بهذا العلم: علم البلاغة.
فإنه لم يكد لواء النبوغ في تقرير نكت البلاغة القرآنية يعقد على مجالس الشريف المرتضى المتوفى سنة 436هـ حتى أنجم في أفق أهل السنة فتى شافعي أشعري ، من عباقرة علماء العربية هو عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني المتوفى سنة 471هـ ، تمرس بكتب أبي علي الفارسي ، وتخرج على طريقته في النحو ، فألف شرحين على كتاب الإيضاح لأبي علي الفارسي ، وألف كتاب " العوامل المائة " في النحو ، ثم التفت إلى ما وراء النحو: من أسرار العربية المتجلية في تأليف الجمل على اعتبارات خصوصية ، تتفاوت في الحسن والقبول بحسب ما تزيد أو تنقص من الوفاء بمتممات المعاني ، بعد اشتراكها في الوفاء بأصولها.وذلك ما كان الأدباء مستغرقين في التنويه به واستقصاء مُثُله من لدن عبد الله بن المقفع إلى بشر بن المعتمر إلى سهل بن محمد السجستاني ، ثم إلى الجاحظ وابن المعتز ، فكانوا غير مستقرين على تمييز هذا الفن باسم قار مصطلح عليه يعنون على ماهيته بدقة ، فربما سماه بعضهم "البيان" وسماه آخرون "البديع" وسمته طائفة ثالثة "صناعة الشعر" و"صناعة الكتابة" وكثيراً ما تواردوا ، قصداً أو عرضاً على تسميته "بلاغة".