«الشيخ عبدالتواب البساتيني» وُلد الشيخ عبدالتواب عباس محمد، المعروف بـ الشيخ عبدالتواب البساتيني، في قرية العرب الشهيرة بالبساتين، بمحافظة بني سويف، عام 1946 م كان هناك حوارًا صحفيًا أُجري مع فضيلته منذ فترة، وجاء فيه:الابتهال هو التضرع تَقربًا إلى الله تعالى في عليائه؛ فالله تعالى هو الأحق بالتقرب إليه لطلب العون عند الحاجة، ومِن ثَمّ فالابتهال فنّ راق، لو توافرت مقوماته لاستطاع المبتهل أن يجعل كلماته التي يبتهل بها تخترق قلوب السامعين، فيكون أثرها عليهم كبيرًا فالمشاعر تتحرك والقلب يهفو إلى رحاب الرسول الطاهرة، والعقول تبحث وتهيم في ملكوت الله، طالبًة أعلى درجات الهداية خوفًا من الله وطمعًا في جنته، هكذا تصل كلمات المدح النبوي أو الذكر والابتهال إلى أعماق المؤمنين فتزيدهم يقينًا، وتُقربهُم إلى الله تعالى، وتزيدهم حُبًّا في رسوله صلى الله عليه وسلم، وتدفعهم إلى المزيد من الطاعة. هكذا أدرك الشيخ عبدالتواب البساتيني أحد أشهر المبتهلين المصريين خلال العقود الثلاثة الماضية، فهو واحد من تلاميذ مدرسة الكبار في فن الابتهال الديني، وهو إلى ذلك قارئ للقرآن، هذا المبتهل الذي بدأت علاقته بالقرآن منذ الصغر، حيث دفعته أسرته في صغره إلى كُتّاب قريته العرب والتي اشتهرت بقرية البساتين التابعة لمركز ومدينة بني سويف، والتي وُلِدَ فيها لينتهي من حِفظ القرآن وسِنّه لا يبلغ 13 عام. وفي المدرسة التي تجاور منزل العائلة تعارف البساتيني على مُعلميه، وأصبح قريب جدًا منهم، وساعده على ذلك طيبته وجمال طلعته وحسن مُعاملته مع مَن يَكبُره، وذات مرة سمعه أحد مُعلميه يقرأ القرآن ويُنشد الكلمات الجميلة، فأعجب جدًا به وطلب منه أن يعيد ما كان أمام ناظر المدرسة، وهنا شعر بالخوف الشديد من ناظره وناظر كل المدرسة، إلا أن الناظر شجعه على ذلك، فلما فعل أخذه الناظر وذهب به إلى والده ليطلب منه أن يُلحقه بمكتب لتحفيظ وتعليم القرآن الكريم وأحكام التلاوة والتجويد. بدأت رحلة البساتيني مع علم القراءات والتجويد بعد عام واحد من إتمامه لحفظ القرآن أي كان عمره آنذاك لا يتجاوز 14 سنة، وبإصرار ورغبة في التميز بدأ المشوار فكانت الاستفادة عظيمة؛ حيث تعلم حفظ القرآن سليمًا خاليًا من اللحْن والأخطاء، وذلك على يد شيخ يتقن القرآن، مما ثبّته وأكد معانيه في ذهنه، وعقب الانتهاء من حفظ كتاب الله تجويدًا وترتيلاً انتقل إلى الشيخ أحمد رشوان حتى يتولى اختباره لمنحه إجازة في قراءتي حفص ونافع، وبالفعل حدث ذلك ونال الإجازة من الشيخ رشوان. وعقب حصول البساتيني على الإجازة في قراءة القرآن بروايتي حفص ونافع، قرر أن يلتحق بمعهد القراءات لكسب المزيد من المعارف القرآنية، خاصة وأنه في هذه الآونة قد قرر أن يستمر في طريق تلاوة القرآن والابتهال، وبالفعل حصل على عالية القراءات عام 1979 م، ثم بدأ القراءة في المناسبات بالقرية والقرى المجاورة، والطريف في الأمر أن الشيخ أحمد رشوان الذي أشرف على تحفيظه القرآن، ومن أجاز له القراءة، كان يحصل على كل الأجر الذي يتقاضاه البساتيني نظير التلاوة في المناسبات، إلا أن الشيخ الصغير كان يعبر دائمًا عن سعادته البالغة لأنه يقرأ القرآن أمام الناس ويجد تجاوبًا كبيرًا منهم. بعد أن قضى البساتيني فترة التجنيد الإجبارية من 1966 حتى 1974 بدأ دراسة جديدة من نوعها ألا وهي دراسة المقامات الموسيقية، لأنه في هذه الآونة قرر الاتجاه إلى عالم الابتهال؛ حيث كان من عشاق كبار المبتهلين المشايخ على محمود وطه الفشني والفيومي والنقشبندي، وكثيرًا ما كان يدعو الله تعالى أن يصبح في يوم من الأيام مبتهلاً مثل هؤلاء فاستجاب الله تعالى لدعوته، وأهم ما كان يلفت إعجابه في هؤلاء المبتهلين أن كل واحد منهم له مدرسة متميزة في الابتهال، حيث لا يقلد واحدٌ منهم الآخر. يقول الشيخ عبدالتواب البساتيني عندما سُئِل عن أهمية حفظ القرآن في الصغر: "الحفظ في الصغر نعمة كبيرة، حيث لا ينساه الطفل بعد ذلك، لأنه يكون خالي الذهن وعديم المسئوليات، مما يُهيئ له أن يحفظ القرآن بسهولة ولا يخرج من ذاكرته إطلاقًا، أما الكُتَّاب فقد ساعدني كثيرًا في أن أجيد قراءة القرآن وحفظه". ويستمر في حديثه قائلاً: "كما أن الحفظ على يد متخصص وبطريقة التلقين حافظت على اللغة العربية عندي وحسَّنتها مما أفادني كثيرًا بعد ذلك، والمؤسف أن الناس لم تعد تهتم بالكُتَّاب كما ينبغي، وهو ما أدي إلى ضعف الارتباط بالقرآن وباللغة العربية معًا، خلافًا لما كان يحدث منذ فترة حيث كان الاهتمام بالكُتَّاب يفوق الاهتمام بالمدرسة عند عدد كبير من الأسر، وكان الجميع بلا استثناء يحرص على تحفيظ أبنائه القرآن، مما رفع من تحصيلهم العلمي أيضًا، بدليل أن مَن حصل على الابتدائية في تلك الفترة كان أفضل في القراءة والكتابة والنطق السليم من بعض الحاصلين على مؤهلات عليا حاليًا". ويؤكد البساتيني أنه لكي ينجح المبتهل لابد وأن يكون صاحب مدرسة وأسلوب متفرد في الأداء ومِن ثَمّ أحرص دائمًا على أن يكون لي أسلوبي الخاص، حيث صقلت الموهبة لدي بالدراسة، كما أرفض تقليد أي مبتهل، وأرى أن المبتهل الجيد هو الذي يبتكر أسلوبًا جيدًا جديدًا ينفرد به بين زملائه، مشيرًا إلى أن أكثر الأبيات التي يشعر بها أثناء إنشادها، تلك التي كتبت في مدح الرسول، وهي:يا سعْدُ عينٍ قد رأتــكوحظُّ قلبٍ فيك هاموسلوا المُشاهِد لا الدَّعيَومن تشدق بالكلاملأنني أثناء إنشادها دائمًا ما أتخيل وقوفي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وتمتلئ عيني بالدموع وأجد نفسي أبكي وأتوقف عن الأداء، فالبكاء يمنعني من استكمال الابتهال.ويوضح البساتيني أن الأبيات التي ينشدها في ابتهالاته يتولي كتابتها له بعض الشعراء، ومنهم المستشار صلاح بريك، والأستاذ محمد طه، والشيخ أحمد عبدالحكم.وهم من الموهوبين في كتابة الشعر، ويطلب منهم كلمات محددة في المناسبات مثل الهجرة والمولد النبوي والإسراء والمعراج وتحويل القبلة وشهر رمضان، فضلاً عن بعض الكلمات التي ينتقيها من التراث مِن بُردة الإمام البوصيري وغيرها، ثم يتولي بنفسه تلحين هذه الكلمات؛ حيث يحصل على الكلمات، ثم يحدد المقام الموسيقي الذي يصلح لها ويتوافق معها ويُجري بعض التعديلات حتى يكون الابتهال جاهزًا للإنشاد. وكان يشدد على أن القول بأن الساحة الآن تعاني من نقص حاد في المنشدين ظلم كبير لكل مبتهلي هذا العصر، لأنه لابد من الأخذ في الاعتبار التوقيت الذي ظهر فيه هؤلاء المبتهلون، حيث كان الناس لديهم وقت فراغ وأذهان متفتحة للاستماع للابتهالات والتأثر بها، بعكس الوقت الحالي الذي انشغل فيه الناس بأعمالهم واختفاء (السمِّيعة) الذين يعشقون الابتهالات ويقدرونها، فضلاً عن تأثير التليفزيون الذي استولى على جانب كبير من اهتمامات الناس. وعن المواقف الطريفة التي تواجهه أثناء الإنشاد في الحفلات، قال: "تعوَّد الناس أن يُطالبوني بإعادة بعض الأبيات التي يتأثرون بها، ولكن المثير أنني كنت في حفلة بإحدى مدن الصعيد، فأصابني (سُعال) خلال الإنشاد فطالبني الحاضرون بإعادة (الكُحة) مرة أخرى، كما كان الشيخ إسماعيل صادق العدوي يرحمه الله، يستمع إليّ في إحدى المرات، فتأثر جدًا بالابتهال لدرجة أنه قام بسبِّي بصوت مرتفع من فرط الاندماج مع الكلمات. ويذكر الشيخ عبدالتواب البساتيني أن الابتهال فن رائع، أرجو أن يتم الاهتمام به خاصة من جانب وسائل الإعلام التي لا تعرضه إطلاقًا سوى في إطار الحفلات الرسمية، ويستثنى بالطبع إذاعة القرآن الكريم، التي تمثل الراعي الأول للمبتهلين في مصر، ولها الفضل على المؤديِّن للابتهالات والجمهور في نفس الوقت، مطالبًا القائمين على وسائل الإعلام في مختلف البلدان الإسلامية بضرورة الاهتمام بالتواشيح، وهي تختلف عن الابتهالات في أنها تُؤدي بصورة جماعية، وهي فنّ راق للغاية تلاشى حاليًا بسبب عدم الاهتمام، وأدعو إلى إحيائه مرة أخرى. ودائمًا كان الشيخ البساتيني ينصح شباب المبتهلين بضرورة توافر الصوت الجيّد، ثم صِقَل تلك الموهبة بالدراسة، وإجادة اللغة العربية، واتقان مخارج الحروف والنطق جيدًا، والأهم من كل ذلك الإخلاص؛ لأن ما خرج من القلب وصل إلى القلب، فليس كل من يبتهل يؤثر في الناس ويصل إلى قلوبهم. الراحل رُزق باثنين من الأولاد (أحمد ومحمود) وكلاهما يعملان بمديرية أوقاف بني سويف.. ويرى أن ابنه (أحمد) مؤهلاً لاستكمال مسيرة مدح النبي والابتهال الديني.
وفي مساء يوم الأربعاء 18 من ذي الحِجة 1439 هـ الموافق 29 أغسطس 2018 م فارق الحياة الدنيا وصعدت روحه الطاهرة إلى بارئها بعد رحلة عطاء مع كتاب الله تعالى ومع مدح سيدنا رسول الله وعن عمر ناهز الـ 72 عام. رحم الله فضيلة المبتهل الشيخ عبدالتواب البساتيني رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته جزاء ما قدم من خدمات وإسهامات لكتاب الله تعالى ولسنة النبي صلى الله عليه وسلم. عباقرة التلاوة دار التراث القرآني
وفي مساء يوم الأربعاء 18 من ذي الحِجة 1439 هـ الموافق 29 أغسطس 2018 م فارق الحياة الدنيا وصعدت روحه الطاهرة إلى بارئها بعد رحلة عطاء مع كتاب الله تعالى ومع مدح سيدنا رسول الله وعن عمر ناهز الـ 72 عام. رحم الله فضيلة المبتهل الشيخ عبدالتواب البساتيني رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته جزاء ما قدم من خدمات وإسهامات لكتاب الله تعالى ولسنة النبي صلى الله عليه وسلم. عباقرة التلاوة دار التراث القرآني