هذه خطوات الرجل في مرحلة الدراسة ، والمشاهد لنتاجه الحافل يدرك أنه لم يكن ليقتصر على المواد الدراسية في الزيتونة وكلية الآداب ، بل كان بتوجيه والده الكبير وبهمة نفسه الطامحة يقرأ كل ما يقع تحت يده من آثار النابغين من أعلام العصر ، وتلك حقيقة لا شك فيها ، لأن إسهامه العلمي بعد تخرجه مباشرة بثقافة حية ذات رصيد فخم ، لا يتهيأ لطالب يعكف على الدروس المدرسية فحسب ، بل لطالب يرى المدرسة والكلية إحدى الوسائل الثقافية فقط.
وكانت الموسوعية الشاملة التي اتصف بها والده الكبير الشيخ الطاهر موضع احتذائه ، إذ امتد بفكره إلى التراث الإسلامي الفسيح ينهل من ينابيعه الكثيرة ، فأمده بدسم حافل في معارفه ، وليست المسألة مسألة معارف فحسب ، فكم من الناس من وعى من المعارف أكثر مما وعى الفاضل ، ولكنه لم يتعمق ما قرأ ، ولم يقف موقف الناقد فيما يأخذ ويدع.