وقد روعي في كل من {الرحمن} و {الرحيم} معنى لم يراع في الآخر فالرحمن بمعنى عظيم الرحمة لأن «فَعْلان» صيغة مبالغة في كثرة الشيء وعظمته ولا يلزم منه الدوام كغضبان وسكران، والرحيم بمعنى دائم الرحمة لأن صيغة فعيل تستعمل في الصفات الدائمة ككريم وظريف فكأنه قيل: العظيم الرحمة الدائم الإِحسان.
قال الخطابي: الرحمن ذو الرحمة الشاملة التي وسعت الخلق في أرزاقهم ومصالحهم وعمَّت المؤمن والكافر، والرحيم خاص بالمؤمن كما قال تعالى: {وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً} [الأحزاب: 43] ، {الدين} الجزاء ومنه الحديث (كما تدين تُدان) أي كما تفعل تُجزى {نَعْبُدُ} قال الزمخشري: العبادة أقصى غاية الخضوع والتذلل ولذلك لم تستعمل إلا في الخضوع لله تعالى لأنه مولي أعظم النعم فكان حقيقاً بأقصى الخضوع {الصراط} الطريق وأصله بالسين من الاستراط بمعنى الاتبلاع كأن الطريق يبتلع السالك قال الشاعر:
شحنّا أرضهم بالخيل حتى ... تركناهم أَذلَّ من الصّراط
{المستقيم} الذي لا عوج فيه ولا انحراف {آمين} أي استجب دعاءنا وهي ليست من القرآن الكريم إجماعاً.
التفِسير: علمنا الباري جلّ وعلا كيف ينبغي أن نحمده ونقدسه ونثني عليه بما هو أهله فقال {الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} أي قولوا يا عبادي إذا أردتم شكري وثنائي الحمدلله، اشكروني على إِِِحساني وجميلي إِليكم، فأنا الله ذو العكمة والمد والسؤدد، المتفرد بالخلق والإِيجاد، رب الإِنس والجن والملائكة، ورب السماوات والأرضين، فالثناء والشكر لله رب العالمين دون ما يُعبد من دونه {الرحمن الرحيم} أي الذي وسعت رحمته كل شيء، وعمَّ فضله جميع الأنام، بما أنعم على عباده من الخلق والرزق والهداية إلى سعادة الدارين، فهو الرب الجليل عظيم الرحمة دائم الإِحسان {مالك يَوْمِ الدين} أي هو سبحانه المالك للجزاء والحساب، المتصرف في يوم الدين تصرّف المالك في ملكه {يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19] {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي نخصَّك يا ألله بالعبادة، ونخصك بطلب شيئاً الإعانة، فلا نعبد أحداً سواك، لك وحدك نذلُّ ونخضع ونستكين ونخشع، وإيَّاك ربنا نستعين على طاعتك ومرضاتك، فإِنك المستحق لكل إِجلال وتعظيم،