ثانياً: أتى بالمضارع {أَتَأْمُرُونَ} وإِن كان قد وقع ذلك منهم لأن صيغة المضارع تفيد التجدد والحدوث، وعبّر عن ترك فعلهم بالنسيان {وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} مبالغة في الترك فكأنه لا يجري لهم على بال، وعلقه بالأنفس توكيداً للمبالغة في الغفلة المفرطة، ولا يخفى ما في الجملة الحالية {وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الكتاب} من التبكيت والتقريع والتوبيخ.
ثالثاً: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين} هو من باب عطف الخاص على العام لبيان الكمال، لأن النعمة اندرج تحتها التفضيل المذكور، فلما قال {اذكروا نِعْمَتِيَ} [البقرة: 40] عمَّ جميع النعم فلما عطف {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ} كان من باب عطف الخاص على العام.
رابعاً: {واتقوا يَوْماً} التنكير للتهويل أي يوماً شديد الهول، وتنكير النفس {نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ} ليفيد العموم والإقناط الكلي.
الفوَائِدَ: الفائدة الأولى: قال القرطبي: إِنما خص الصلاة بالذكر من بين سائر العبادات تنويهاً بذكرها وقد كان عليه السلام إِذ حزبه (أغمّه) أمرٌ فَزَع إلى الصلاة، وكان يقول: «أرحنا بها يا بلال»
الثانية: قال علي كرم الله وجهه: «قصم ظهري رجلان: عالم متهتك، وجاهل متنسك» ومن دعا غيره إِلى الهدى ولم يعمل به كان كالسراج يضيء للناس ويحرق نفسه قال الشاعر:
ابدأُ بنفسك فانهها عن غيّها ... فإِذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل إِن وعظتَ ويقتدى ... بالرأي منك وينفع التعليم
وقال أبو العتاهية:
وصفتَ التُّقَى حتَّى كأَنَّك ذو تُقَى ... وريحُ الخطايا من ثيابك تَسْطَع
