اهداف ومقاصد سورة الانعام
سبب التسمية
سميت السورة (الأنعام) ليس لورود كلمة الأنعام فيها فقط وإنما لذلك سبب رئيسي أن الأنعام عند قريش كانت هي الأكل والشرب والغذاء والمواصلات والثروة وعصب الحياة ، وكان كفار قريش يقولون نعبد الله لكن عصب الحياة لنا نتصرف فيها كيف نشاء لكن الله تعالى يخبرهم أن التوحيد يجب أن يكون في الاعتقاد وفي التطبيق أيضاً يجب أن نوحد الله في كل التصرفات وليس في المعتقدات فقط، وهذا توجيه ليس فقط لكفار قريش وإنما توجيه لعامة الناس الذين يعتقدون بوحدانية الله تعالى ولكن تطبيقهم ينافي معتقدهم، إذن لا إله إلا الله يجب أن تكون في المعتقد والتطبيق، وهذا يناسب ما جاء في سورة المائدة في قوله: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) فعلينا أن نأخذ الدين كاملاً وأن ونوحد الله تعالى في المعتقد
مقاصد سورة الأنعام :د/ محمد الخضيري
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد..
فمعنا اليوم سورة الأنعام هذه السورة الكريمة العظيمة سورة مكية بل ذكر المفسرون رحمة الله تعالى عليهم أنها نزلت في الليل جملة واحدة، وهذا من الأمور الشائعة عند المفسرين -رحمهم الله تعالى- وفيه مَلحظان عظيمان:
- الأول: أن هذه السورة سورةٌ تتحدث في صلب العقيدة تدعو إلى التوحيد وتجُادل المشركين وتُبيّن تصرفاتهم وأفعالهم وتناقشهم على كل المستويات وإذا كان الأمر كذلك فإن مثل هذا لا يمكن أن ينزل تدريجياً بل ينزل جملة واحدة لأنه حق واحد بخلاف قضية الأحكام التي هي انتقال بالناس وبالنفوس من مرحلة إلى مرحلة ولذلك نجد سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة تنزل في فترات متعددة، سورة البقرة نزلت أوائلها في أول هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وآخر آية في القرآن نزلت فيها { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } فامتد نزول هذه السورة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة إلى أن ودَّع النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحياة.
- أما هذه السورة سورة الأنعام فلأنها في صلب العقيدة ونقاش المشركين وفضحهم وبيان خلل عقولهم ومحاجّتهم ومجادلتهم في كل الميادين التي جادلوا فيها والمقترحات التي اقترحوها وذِكر مخازيهم وتصرفاتهم وأفعالهم فإنها جاءت جملة واحدة وفي الليل ليكون ذلك أدعى للتفكر في معانيها وفي حُججها وفي طريقة إقناعها لأن الحِجاج الموجود في هذه السورة يحتاج إلى عمق في التفكير وعمق في النظر أكثر من ما هو موجود في سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة التي امتلأت بذكر الأحكام والتكاليف، وأيضاً حتى الأخبار التي يمكن للإنسان أن يفهمها من حين ما تصل إلى ذهنه وتطرق سمعه .
دعونا الآن نتأمل في هذه السورة كيف أنها جاءت لتؤكد هذه المعاني العظيمة وتحقق هذه الغايات الشريفة والنبيلة والعالية والتي من أجلها بُعِث الأنبياء وأُنزلت الكتب وقام سوق الجنة والنار وحصل الخلاف بين الموحدين والمشركين .
- يقول الله عز وجل مستفتحاً هذه السورة بقوله : { الْحَمْدُ لِلَّهِ } والسور التي افتتحت بالحمد خمس : [الفاتحة والأنعام والكهف وسبأ وفاطر] وتجد أن هذه السور التي اُفتتحت بالحمد فيها عناية بالتوحيد وفيها عناية أيضاً بذكر صفات الرب سبحانه وتعالى ورد على المشركين كل هذه السور الخمس تجتمع في هذه الغاية.
قال : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } أي يشركون { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا ۖ وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ۖ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ } أي ترتابون فيما جاءكم من الحق على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.{ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ۖ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ }
ثم يبين كيف يراوغون في قبول الحق { وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِين } وكل السورة مضى على هذه القضية كيف أن الحق يأتيهم واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار ولكنهم يحيدون عنه فلا يقبلونه ويحاولون أن يقترحوا وأن يأتوا بما يدفعوا هذا الحق عنهم اسمعوا مثلاً : { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ } لو نزل كتاب من السماء وهم يرونه عند نزوله في قرطاس من السماء فلمسوه ورأوا أنه لا يشبه شيئاً مما في الدنيا لكان أول شي يقولونه لك يا محمد { لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ } سَحَرنا محمد، انظر هذا أول واحدة من طرائقهم في إنحرافهم عن الحق ففضحهم الله فيه وجاء بحجتهم أو بطريقتهم في رد الحق قبل أن يفعلوها.
ثم قال : { وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ۖ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ } اقترحوا قالوا : لماذا يأتي رجل مثلنا لمَ لا يأتي مَلَك هو الذي يأتي بهذه الرسالة لماذا ربنا يختار واحد منا ويصطفيه من بيننا ألا يمكن أن يأتي بمَلَك حتى يكون حُجة الله على عباده ؟ قال الله مبيناً أن الملائكة ما تنزل إلا بالعذاب قال : { وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ } ثم قال لهم على سبيل الدمغ لشبهتهم : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا } يعني لأنكم لا تُطيقون التعامل مع الملَك فسيكون الحال أننا سنجعل هذا الملَك بصورة رجل وإذا جعلناه بصورة رجل قلتهم هذا ليس بمَلََك، فدُرنا في دوامة من الرد والاعتراض وعدم الإيمان .
الحقيقة أن الحق واضح ولا يحتاج إلى هذه المماحكات وهذا الميل عن قبول الحق، إذا كان لكم إعتراض على هذا الحق فقولوه، أنا جئتكم بأن أقول لكم بأن هذا هو الله ربكم فاعبدوه وأنا أدعوكم إلى سبيل قاصد لا أدعوكم إلى نفسي ولا أطلب منكم شيئا من الدنيا ولا أريد أن أحقق بما أدعوكم به شيئا من المآرب التي يدعوا الناس إليها ويجتمعون عليها ولذلك قال الله عز وجل مهدداً إياهم : { وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِين}.
ثم تأتي الآيات على مثل هذا المنوال في ذكر شبهات هؤلاء الكفار وفي ردها
اسمعوا مثلاً يقول الله عز وجل مبينا ماذا سيحصل لهم في الآخرة : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِين } في ذلك اليوم { وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِين } يقول الله عز وجل : { انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ ۚ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } الذي كانوا يفترونه ويدعونه إلهه أو آلهة من دون الله ذهبت عنهم فلم تُجزِ عنهم يوم القيامة شيئاً.
اسمع مثلاً ماذا يقول الله عنهم : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا ۚ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ } ينهون عنه أتباعهم وأولادهم ومَن وراءهم { وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } هم يصدون أنفسهم عنه ويُعرضون عن قبوله { وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }.
ثم تستمر الآيات في ذكر هذه الشبهات التي يطرحونها على النبي صلى الله عليه وسلم وكيف يُلقِّن الله عز وجل نبيه الرد عليهم اسمعوا مثلاً:
يقول الله عز وجل لنبيه : { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ } من تدعون ؟ قال الله : { أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } هل عندكم أحد تدعونه غير الله في وقت الشدة والكرب ؟ قال الله عز وجل : { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُون } .
ثم يهددهم الله عز وجل بأنواع من التهديدات ثم تعود الآيات مرة أخرى ليقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ } كل هذا الذي تفعلونه من عبادة غير الله هو اتّباع للهوى { قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ ۙ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ * قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ۚ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ } الذي تطلبونه مني وتستعجلون به من طلب العذاب ليس عندي هذا إلى الله عز وجل لا أملكه ولا أستطيع أن آتي به اليكم قال الله عز وجل : { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ يَقُصُّ الْحَقَّ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِين } .
ثم يذكر في آثناء ذلك عظمة الرب سبحانه وتعالى وأنه هو المستحق للعبادة دون من سواه { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ * وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۚ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ } .
ثم يستنطقهم ويأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم : { قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ } في تلك الظلمات {تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ * قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ } أي نُنوعها لهم نأتي بهم من هنا مرة بذكر القيامة مرة، بذكر الكرب وما يأتيهم مرة، بذكر حُججهم ودمغها، مرة بذكر القصص والأمثال، وتستمر الآيات على هذا المنوال إلى أن يضع الله عز وجل بين أيدينا نموذجاً للحِجاج والخصومة التي وقعت بين إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي يدعي هؤلاء المشركون أنهم ينتمون إليه اسمعوا :
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ } وليس لغيره، لأبيه أقرب الناس إليه { لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِين * وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } نقلَ الله إبراهيم من عِلم اليقين إلى عين اليقين فرأى ملكوت السماوات والأرض ورأي كيف يحيي الله الموتى قال : { وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } من أجل أن يكون عند إبراهيم القوة في محاجّة قومه، قوم ابراهيم ماذا كانوا يعبدون ؟ كانوا يعبدون الأصنام ويعبدون الكواكب على نوعين أو على صنفين من الطريقة : عبادة الأصنام وعبادة الكواكب ، وقيل أنهم كانوا يعبدون الكواكب ويصورون على صورها أو على أسماءها أصناماً في الأرض، أياً كان فهم مشركون فجادل الذين يعبدون الأوثان في سورة الأنبياء -كما سيتبين لنا بإذن الله عز وجل- وجادل هنا الذين يعبدون الكواكب لكن الجدل الإبراهيمي جدل عجيب جداً بطريقة وأسلوب عند المناظرين يُسمى أسلوب التنزل مع الخصم وقفَ معهم وقال : تعالوا قال لهؤلاء الذين يعبدون هذه الكواكب لما رأى كوكباً { قَالَ هَٰذَا رَبِّي } لا يقصد بذلك أن يُثبت له الربوبية لكن كأنه يقول أنا سأتنزل معهم على أن هذا الرب { هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ } غاب { قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ } إذا كان هذا يأتي ويذهب معنى ذلك أن هناك مَن يتصرف فيه وأنه يحضر مرة ويغيب مرة وهذا لا يستحق أن يكون إله { قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ }
{ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا } انظر بدأ بالكوكب الصغير { فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ } يعني غاب { قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً } جاءت الشمس وغطت على الكواكب وعلى القمر وذهب كل شيء { قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } فماذا فعل قومه ؟ { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ } هذا يؤكد لك أن هذه السورة هي سورة الحِجاج مع المشركين { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ } يقولون له : يا إبراهيم نحن نخاف عليك من هذه الآلهة أن تصيبك بسوء، أن تستأصلك يا إبراهيم ارحم نفسك { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ۚ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا } أنا لا أخاف من آلهتكم هذه إلا أن يُنزل الله بي شيء من عنده { وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا } كيف أنتم تهددوني بهذه الآلهة والأولى بكم أن تخافوا أنتم من شرككم مع الله غيره فهذا أحق بالخوف مني أنا لأن هذا إله حق وهذه آلهة مزعومة . قال الله عز وجل : { فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ َ} أي بشرك { أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُون }.
قال الله عز وجل : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ } هذا الأسلوب نحن أوحينا إلى إبراهيم أن يفعله مع قومه حتى يقنعهم بأن لا يعبدوا هذه الإلهة وأن لا يشركوا من الله أحداً سواه .
/ ثم قال الله عز وجل مبيناً أن كل الأنبياء على هذه الشاكلة وقد ذُكِر جملة من الأنبياء في هذه السورة لم يُذكروا مجموعين في أي سورة أخرى قال الله عز وجل : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ ۖ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ۖ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } احتج عليهم بأن الأنبياء جميعاً كانوا على هذه الشاكلة .
/ ثم تسير الآيات بذكر هذه الحقائق ودمغ الشرك وأهله واستئصاله من أساسه يقول الله عز وجل مبيّناً عظمته : { إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ۖ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ }.. يذكر آياته في الكون التي تدل على وحدانيته.
/ بعدها يُعقِّب فيقول : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } إلى أن يذكر بعد ذلك بعض عادات العرب فيما توصلوا إليه وأن هذه إحدى إفرازات الشرك تُوصل الإنسان إلى حضيض السفاهة اسمع ماذا يقول الله عز وجل : { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ } ما عندهم إلا الظنون { وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } .
قال الله : { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } كانوا لا يأكلون ما ذُكر اسم الله عليه انظر يأكلون الميتة قال : { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ * وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ * وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ * وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } قد يقول قائل منكم هذه أحكام فقهيه لماذا جاء بها في هذه القصة أو في هذه السورة ؟ لا هذه ما جيء بها على سبيل حكاية الأحكام الفقهية جيء بها على سبيل ذكر القضايا الاعتقادية ، المجيء بها هنا ليس لذكر الأحكام وإنما لذكر العقائد الأكل مما ذكر اسم الله عليه، تحليل ما حرم الله، تحريم ما أحل الله، هذه قضايا اعتقادية وليست قضايا فقهية فرعية ، ولذلك قال الله عز وجل : { وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ۘ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } يقترحون أنهم يكونون رسل وأن الله يبعث إليهم ويُوحي إليهم كما يوحي إليك يا محمد ، انظر ثم يقول الله عز وجل : { وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } .
ويقول جل وعلا : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَٰذَا لِشُرَكَائِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ ۗ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ }.
ثم قال : { وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } ماذا ؟ { قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ } انظروا يا اخواني انظروا ماذا يفعل الشرك بأصحابه والآن إذا نظرتم إلى أمريكا في هذه الأيام ماذا فعلوا يا أخواني ؟ أباحوا زواج المِثليين بإمكانك الآن تتقدم لخطبة رجل ، انظروا يا أخواني أي حضيض وصلت إليه البشرية بسبب الشرك وإلا من يتصور أنه يرجل يتزوج بالرجل وأمرأة تتزوج من امرأة من يتصور ؟ والله حتى البهائم ما تفعل ذلك ولا تُقِره ولا رأينا نحن في البهائم ذكراً ينزوا على ذكر .
/ قال الله عز وجل : { وَقَالُوا } انظروا إلى تصرفات هؤلاء المشركين { هَٰذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا } يُحرمون ظهور الأنعام فلا تُركَب { وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ ۚ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَٰذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا } ما خرج من بطون هذه الأنعام خالص للذكور { وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً } إذا كان ما يخرج من بطونها ميتة { فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ } من أين لكم هذا ؟! قال الله عز وجل : { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ ۚ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ }.
وما تزال الآيات تذكر من قبائحهم وأفعالهم الشيء العجيب إلى أن تتوقف عند ذكر قواعد هذا الدين التي اجتمع عليها الرسل جميعاً ماهي؟ ليس فيها أحكام فرعية بقدر ما أن فيها أصول عظيمة اجتمعت عليها الشرائع كلها وهي:
الوصايا العشر في سورة الأنعام:
{ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } ليس هو ما تفعلونه من تحريم أشياء أنتم تفترونها على الله لا { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } هذا أول شيء
{ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } فلا تعُقّوا الوالدين
{ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُم } لا تقتلوا أولادكم من فقر فالرزق بأيدينا
قال عز وجل : { وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } لأنه اُشتُهِر في العرب كما ذكرنا بالأمس أنهم كانوا يصطون على اموال اليتامى فلا يدعون لليتيم شيئاً .
{وَأَوْفُوا الكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} كان من الأشياء المشهورة عند العرب هو التطفيف في المكاييل والموازين ولذلك نزلت سورة (ويل للمطففين) {لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }.
رأيتم كيف دارت السورة كلها على مجادلة هؤلاء المشركين فلم تنصرِف عنهم لحظة واحدة ولذلك استحقت أن تنزِل في الليل ليكون مكانا للتفكّر في هذه الحُجج وطريقة نقض الشِرك ومُخاصمة ومُجادلة هؤلاء المشركين، ولتنزل أيضا جملة واحدة لأنه حق واحد لا يقبل التجزء، ما فيه دعوة توحيد يعني تبدأ بتحريم كل الأصنام إلا صنم ثم ذلك الصنم تُحرِّمه بعد ذلك ثم تدعو إلى عبادة الله ثم ..، لا..لا ، هذا لا يقبل المُقاسمة ولا أنصاف الحلول ولذلك نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال له المشركون يا محمد اعبد إلهنا سنة ونعبد إلها سنة - ما رأيك بهذا الحل الوسط - قال الله عز وجل {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) } مفاصلة ولذلك خُتمت هذه السورة بالتذكير بإبراهيم مرة أخرى قال الله عز وجل {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا} أي مستقيما {مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} أي ما ئلا عن الشرك إلى التوحيد قصدا {وَمَا كَانَ} أي إبراهيم {مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ۚ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (165) } كما افتُتحت السورة ببدء الخلق خُتمت بنهاية الخلق، فانظر إلى هذا الانسجام العظيم بين أولها وآخرها وهذه الموضوعية العجيبة في هذه السورة الكريمة التي هي أصل من أصول التوحيد ومُحاجّة المشركين ودفع خصومة هؤلاء المرتابين.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل التوحيد الخالص وأن يُميتنا عليه وأن نلقى الله سبحانه وتعالى عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ثم يبين كيف يراوغون في قبول الحق { وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِين } وكل السورة مضى على هذه القضية كيف أن الحق يأتيهم واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار ولكنهم يحيدون عنه فلا يقبلونه ويحاولون أن يقترحوا وأن يأتوا بما يدفعوا هذا الحق عنهم اسمعوا مثلاً : { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ } لو نزل كتاب من السماء وهم يرونه عند نزوله في قرطاس من السماء فلمسوه ورأوا أنه لا يشبه شيئاً مما في الدنيا لكان أول شي يقولونه لك يا محمد { لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ } سَحَرنا محمد، انظر هذا أول واحدة من طرائقهم في إنحرافهم عن الحق ففضحهم الله فيه وجاء بحجتهم أو بطريقتهم في رد الحق قبل أن يفعلوها.
ثم قال : { وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ۖ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ } اقترحوا قالوا : لماذا يأتي رجل مثلنا لمَ لا يأتي مَلَك هو الذي يأتي بهذه الرسالة لماذا ربنا يختار واحد منا ويصطفيه من بيننا ألا يمكن أن يأتي بمَلَك حتى يكون حُجة الله على عباده ؟ قال الله مبيناً أن الملائكة ما تنزل إلا بالعذاب قال : { وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ } ثم قال لهم على سبيل الدمغ لشبهتهم : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا } يعني لأنكم لا تُطيقون التعامل مع الملَك فسيكون الحال أننا سنجعل هذا الملَك بصورة رجل وإذا جعلناه بصورة رجل قلتهم هذا ليس بمَلََك، فدُرنا في دوامة من الرد والاعتراض وعدم الإيمان .
الحقيقة أن الحق واضح ولا يحتاج إلى هذه المماحكات وهذا الميل عن قبول الحق، إذا كان لكم إعتراض على هذا الحق فقولوه، أنا جئتكم بأن أقول لكم بأن هذا هو الله ربكم فاعبدوه وأنا أدعوكم إلى سبيل قاصد لا أدعوكم إلى نفسي ولا أطلب منكم شيئا من الدنيا ولا أريد أن أحقق بما أدعوكم به شيئا من المآرب التي يدعوا الناس إليها ويجتمعون عليها ولذلك قال الله عز وجل مهدداً إياهم : { وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِين}.
ثم تأتي الآيات على مثل هذا المنوال في ذكر شبهات هؤلاء الكفار وفي ردها
اسمعوا مثلاً يقول الله عز وجل مبينا ماذا سيحصل لهم في الآخرة : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِين } في ذلك اليوم { وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِين } يقول الله عز وجل : { انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ ۚ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } الذي كانوا يفترونه ويدعونه إلهه أو آلهة من دون الله ذهبت عنهم فلم تُجزِ عنهم يوم القيامة شيئاً.
اسمع مثلاً ماذا يقول الله عنهم : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا ۚ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ } ينهون عنه أتباعهم وأولادهم ومَن وراءهم { وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } هم يصدون أنفسهم عنه ويُعرضون عن قبوله { وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }.
ثم تستمر الآيات في ذكر هذه الشبهات التي يطرحونها على النبي صلى الله عليه وسلم وكيف يُلقِّن الله عز وجل نبيه الرد عليهم اسمعوا مثلاً:
يقول الله عز وجل لنبيه : { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ } من تدعون ؟ قال الله : { أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } هل عندكم أحد تدعونه غير الله في وقت الشدة والكرب ؟ قال الله عز وجل : { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُون } .
ثم يهددهم الله عز وجل بأنواع من التهديدات ثم تعود الآيات مرة أخرى ليقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ } كل هذا الذي تفعلونه من عبادة غير الله هو اتّباع للهوى { قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ ۙ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ * قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ۚ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ } الذي تطلبونه مني وتستعجلون به من طلب العذاب ليس عندي هذا إلى الله عز وجل لا أملكه ولا أستطيع أن آتي به اليكم قال الله عز وجل : { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ يَقُصُّ الْحَقَّ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِين } .
ثم يذكر في آثناء ذلك عظمة الرب سبحانه وتعالى وأنه هو المستحق للعبادة دون من سواه { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ * وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۚ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ } .
ثم يستنطقهم ويأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم : { قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ } في تلك الظلمات {تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ * قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ } أي نُنوعها لهم نأتي بهم من هنا مرة بذكر القيامة مرة، بذكر الكرب وما يأتيهم مرة، بذكر حُججهم ودمغها، مرة بذكر القصص والأمثال، وتستمر الآيات على هذا المنوال إلى أن يضع الله عز وجل بين أيدينا نموذجاً للحِجاج والخصومة التي وقعت بين إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي يدعي هؤلاء المشركون أنهم ينتمون إليه اسمعوا :
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ } وليس لغيره، لأبيه أقرب الناس إليه { لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِين * وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } نقلَ الله إبراهيم من عِلم اليقين إلى عين اليقين فرأى ملكوت السماوات والأرض ورأي كيف يحيي الله الموتى قال : { وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } من أجل أن يكون عند إبراهيم القوة في محاجّة قومه، قوم ابراهيم ماذا كانوا يعبدون ؟ كانوا يعبدون الأصنام ويعبدون الكواكب على نوعين أو على صنفين من الطريقة : عبادة الأصنام وعبادة الكواكب ، وقيل أنهم كانوا يعبدون الكواكب ويصورون على صورها أو على أسماءها أصناماً في الأرض، أياً كان فهم مشركون فجادل الذين يعبدون الأوثان في سورة الأنبياء -كما سيتبين لنا بإذن الله عز وجل- وجادل هنا الذين يعبدون الكواكب لكن الجدل الإبراهيمي جدل عجيب جداً بطريقة وأسلوب عند المناظرين يُسمى أسلوب التنزل مع الخصم وقفَ معهم وقال : تعالوا قال لهؤلاء الذين يعبدون هذه الكواكب لما رأى كوكباً { قَالَ هَٰذَا رَبِّي } لا يقصد بذلك أن يُثبت له الربوبية لكن كأنه يقول أنا سأتنزل معهم على أن هذا الرب { هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ } غاب { قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ } إذا كان هذا يأتي ويذهب معنى ذلك أن هناك مَن يتصرف فيه وأنه يحضر مرة ويغيب مرة وهذا لا يستحق أن يكون إله { قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ }
{ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا } انظر بدأ بالكوكب الصغير { فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ } يعني غاب { قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً } جاءت الشمس وغطت على الكواكب وعلى القمر وذهب كل شيء { قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } فماذا فعل قومه ؟ { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ } هذا يؤكد لك أن هذه السورة هي سورة الحِجاج مع المشركين { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ } يقولون له : يا إبراهيم نحن نخاف عليك من هذه الآلهة أن تصيبك بسوء، أن تستأصلك يا إبراهيم ارحم نفسك { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ۚ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا } أنا لا أخاف من آلهتكم هذه إلا أن يُنزل الله بي شيء من عنده { وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا } كيف أنتم تهددوني بهذه الآلهة والأولى بكم أن تخافوا أنتم من شرككم مع الله غيره فهذا أحق بالخوف مني أنا لأن هذا إله حق وهذه آلهة مزعومة . قال الله عز وجل : { فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ َ} أي بشرك { أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُون }.
قال الله عز وجل : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ } هذا الأسلوب نحن أوحينا إلى إبراهيم أن يفعله مع قومه حتى يقنعهم بأن لا يعبدوا هذه الإلهة وأن لا يشركوا من الله أحداً سواه .
/ ثم قال الله عز وجل مبيناً أن كل الأنبياء على هذه الشاكلة وقد ذُكِر جملة من الأنبياء في هذه السورة لم يُذكروا مجموعين في أي سورة أخرى قال الله عز وجل : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ ۖ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ۖ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } احتج عليهم بأن الأنبياء جميعاً كانوا على هذه الشاكلة .
/ ثم تسير الآيات بذكر هذه الحقائق ودمغ الشرك وأهله واستئصاله من أساسه يقول الله عز وجل مبيّناً عظمته : { إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ۖ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ }.. يذكر آياته في الكون التي تدل على وحدانيته.
/ بعدها يُعقِّب فيقول : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } إلى أن يذكر بعد ذلك بعض عادات العرب فيما توصلوا إليه وأن هذه إحدى إفرازات الشرك تُوصل الإنسان إلى حضيض السفاهة اسمع ماذا يقول الله عز وجل : { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ } ما عندهم إلا الظنون { وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } .
قال الله : { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } كانوا لا يأكلون ما ذُكر اسم الله عليه انظر يأكلون الميتة قال : { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ * وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ * وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ * وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } قد يقول قائل منكم هذه أحكام فقهيه لماذا جاء بها في هذه القصة أو في هذه السورة ؟ لا هذه ما جيء بها على سبيل حكاية الأحكام الفقهية جيء بها على سبيل ذكر القضايا الاعتقادية ، المجيء بها هنا ليس لذكر الأحكام وإنما لذكر العقائد الأكل مما ذكر اسم الله عليه، تحليل ما حرم الله، تحريم ما أحل الله، هذه قضايا اعتقادية وليست قضايا فقهية فرعية ، ولذلك قال الله عز وجل : { وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ۘ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } يقترحون أنهم يكونون رسل وأن الله يبعث إليهم ويُوحي إليهم كما يوحي إليك يا محمد ، انظر ثم يقول الله عز وجل : { وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } .
ويقول جل وعلا : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَٰذَا لِشُرَكَائِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ ۗ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ }.
ثم قال : { وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } ماذا ؟ { قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ } انظروا يا اخواني انظروا ماذا يفعل الشرك بأصحابه والآن إذا نظرتم إلى أمريكا في هذه الأيام ماذا فعلوا يا أخواني ؟ أباحوا زواج المِثليين بإمكانك الآن تتقدم لخطبة رجل ، انظروا يا أخواني أي حضيض وصلت إليه البشرية بسبب الشرك وإلا من يتصور أنه يرجل يتزوج بالرجل وأمرأة تتزوج من امرأة من يتصور ؟ والله حتى البهائم ما تفعل ذلك ولا تُقِره ولا رأينا نحن في البهائم ذكراً ينزوا على ذكر .
/ قال الله عز وجل : { وَقَالُوا } انظروا إلى تصرفات هؤلاء المشركين { هَٰذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا } يُحرمون ظهور الأنعام فلا تُركَب { وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ ۚ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَٰذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا } ما خرج من بطون هذه الأنعام خالص للذكور { وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً } إذا كان ما يخرج من بطونها ميتة { فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ } من أين لكم هذا ؟! قال الله عز وجل : { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ ۚ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ }.
وما تزال الآيات تذكر من قبائحهم وأفعالهم الشيء العجيب إلى أن تتوقف عند ذكر قواعد هذا الدين التي اجتمع عليها الرسل جميعاً ماهي؟ ليس فيها أحكام فرعية بقدر ما أن فيها أصول عظيمة اجتمعت عليها الشرائع كلها وهي:
الوصايا العشر في سورة الأنعام:
{ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } ليس هو ما تفعلونه من تحريم أشياء أنتم تفترونها على الله لا { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } هذا أول شيء
{ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } فلا تعُقّوا الوالدين
{ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُم } لا تقتلوا أولادكم من فقر فالرزق بأيدينا
قال عز وجل : { وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } لأنه اُشتُهِر في العرب كما ذكرنا بالأمس أنهم كانوا يصطون على اموال اليتامى فلا يدعون لليتيم شيئاً .
{وَأَوْفُوا الكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} كان من الأشياء المشهورة عند العرب هو التطفيف في المكاييل والموازين ولذلك نزلت سورة (ويل للمطففين) {لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }.
رأيتم كيف دارت السورة كلها على مجادلة هؤلاء المشركين فلم تنصرِف عنهم لحظة واحدة ولذلك استحقت أن تنزِل في الليل ليكون مكانا للتفكّر في هذه الحُجج وطريقة نقض الشِرك ومُخاصمة ومُجادلة هؤلاء المشركين، ولتنزل أيضا جملة واحدة لأنه حق واحد لا يقبل التجزء، ما فيه دعوة توحيد يعني تبدأ بتحريم كل الأصنام إلا صنم ثم ذلك الصنم تُحرِّمه بعد ذلك ثم تدعو إلى عبادة الله ثم ..، لا..لا ، هذا لا يقبل المُقاسمة ولا أنصاف الحلول ولذلك نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال له المشركون يا محمد اعبد إلهنا سنة ونعبد إلها سنة - ما رأيك بهذا الحل الوسط - قال الله عز وجل {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) } مفاصلة ولذلك خُتمت هذه السورة بالتذكير بإبراهيم مرة أخرى قال الله عز وجل {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا} أي مستقيما {مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} أي ما ئلا عن الشرك إلى التوحيد قصدا {وَمَا كَانَ} أي إبراهيم {مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ۚ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (165) } كما افتُتحت السورة ببدء الخلق خُتمت بنهاية الخلق، فانظر إلى هذا الانسجام العظيم بين أولها وآخرها وهذه الموضوعية العجيبة في هذه السورة الكريمة التي هي أصل من أصول التوحيد ومُحاجّة المشركين ودفع خصومة هؤلاء المرتابين.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل التوحيد الخالص وأن يُميتنا عليه وأن نلقى الله سبحانه وتعالى عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هدف السورة: التوحيد الخالص لله في الاعتقاد والسلوك (البيان القرآني)
سورة الأنعام هي أول سورة مكية في ترتيب المصحف بعد ما سبقها من سور مدنية، وهي ثاني سورة ابتدأت بالحمد (الحمد لله الذي خلق السموات والأرض)، ومن مميزاتها أنها نزلت ليلاً دفعة واحدة وأنه شيّعها سبعون ألف ملك, والسبب في هذا الامتياز أنها مشتملة على دلائل التوحيد والعدل والنبوة والمعاد وإبطال مذاهب المبطلين والملحدين, ويقول الإمام القرطبي إن هذه السورة أصلُ في محاجة المشركين وغيرهم من المبتدعين ومن كذّب بالبعث والنشور وهذا يقتضي إنزالها جملة واحدة. ونزولها ليلاً لما في الليل من سكينة للقلب ومدعاة للتأمل والتفكر في قدرة الله تعالى وعظمته. وتناولت سورة الأنعام القضايا الأساسية الكبرى لأصول العقيدة والإيمان وهذه القضايا يمكن تلخيصها فيما يلي:
قضية الألوهية قضية الوحي والرسالة قضية البعث والجزاء
والحديث في هذه السورة يدور بشدة حول هذه الأصول الأساسية للدعوة ونجد سلاحها في ذلك الحجة والبرهان والدلائل القاطعة للإقناع لأنها نزلت في مكة على قوم مشركين، ومما يلفت النظر في السورة الكريمة أنها عرضت لأسلوبين بارزين لا نكاد نجدهما بهذه الكثرة في غيرها من السور وهما: أسلوب التقرير وأسلوب التلقين. ونرى هذين الأسلوبين يأتيان بالتتابع في السورة فتأتي الآيات التي يذكر الله تعالى لنا البراهين على عظمته وقدرته في الكون ثم تنتقل الآيات للحجة مع المشركين والملحدين والبعيدين عن التوحيد.
أسلوب التقرير: يعرض القرآن الأدلة المتعلقة بتوحيد الله والدلائل المطلوبة على وجوده وقدرته وسلطانه وقهره في صورة الشأن المسلّم ويضع لذلك ضمير الغائب عن الحس الحاضر في القلب الذي لا يماري فيه قلب سليم ولا عقل راشد في أنه تعالى المبدع للكائنات صاحب الفضل والإنعام فيأتي بعبارة (هو) الدالة على الخالق المدبر الحكيم. وفي هذه الآيات تصوير قرآني فني بديع بحيث يستشعر قارئ الآيات عظمة الله وقدرته وكأن الآيات مشاهد حية تعرض أمام أعيننا. وقد ورد لفظ (هو) 38 مرة في السورة ومن هذه الآيات:
· الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ (آية 1)
· هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ (آية 2)
· وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (آية 3)
· وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (آية 18)
· وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (آية 59)
· وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (آية 60)
· وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (آية 61)
· وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (آية 73)
· وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (آية 97)
· وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (آية 98)
· وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (آية 165)
أما أسلوب التلقين فإنه يظهر جلياً في تعليم الرسول تلقين الحجة ليقذف بها في وجه الخصم بحيث تأخذ عليه سمعه وتملك عليه قلبه فلا يستطيع التخلص أو التفلت منها، ويأتي هذا الأسلوب بطريق السؤال والجواب يسألهم ثم يجيب ونلاحظ في السورة كثرة استخدام كلمة (قل) فقد وردت في السورة 42 مرة. هكذا تعرض السورة الكريمة لمناقشة المشركين وإفحامهم بالحجج الساطعة والبراهين القاطعة التي تقصم ظهر الباطل. ومن هنا كانت أهمية سورة الأنعام في تركيز الدعوة الإسلامية، تقرر حقائقها وتثبت دعائمها وتحاجج المعارضين لها بطريقة المناظرة والمجادلة. والسورة تذكر توحيد الله جلّ وعلا في الخلق والإيجاد وفي التشريع والعبادة وتذكر موقف المكذبين للرسل وتقص عليهم ما حاق بأمثالهم السابقين وتذكر بالبعث والجزاء . وفيما يلي بعض الآيات التي ورد فيها كلمة (قل):
· قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (آية 11) (تبين الآية أن لله تعالى هو الملك المسيطر على المكان)
· قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (آية 12) (تبين هذه الآية أن الله تعالى هو الملك المسيطر على الزمان)
· قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ (آية 14)
· قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (آية 15)
· قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (آية 40)
· قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ (آية 56)
· قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (آية 57)
· قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (آية 58)
· قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (آية 63)
· قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ (آية 64)
· قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (آية 65)
· قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ(آية 135)
· قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إبراهيم حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (آية 161)
· قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (آية 162)
· قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (آية 164)
وهكذا تتوالى السورة بمجموعة من الآيات التي تدل على قدرة الله تعالى ثم تتبعها آيات مجادلة ومواجهة مع المشركين والملحدين.
ثم تأتي قصة سيدنا إبراهيم مع قومه وسبب ورود هذه الجزئية من قصة سيدنا إبراهيم في سورة الأنعام مناسب لأسلوب الحجة وإقامة البراهين والأدلة عند مواجهة المشركين والملحدين فجاءت الآيات تعرض قصة سيدنا إبراهيم ومحاجته لقومه من الآيات 74- 83.
ثم تأتي آية فاصلة في السورة تدلنا على أن آيات الله تعالى في الكون ترى ولكن القلوب إذا عميت لا تراها وتجحد بها وتكفر. (قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (الآية 104)
ثم تختم السورة بربع كامل بالوصايا العشر التي نزلت في تلك الكتب السابقة ودعا إليها جميع الأنبياء السابقين (قل تعالوا أتل ما حرّم ربكم عليكم..) وتنتهي يآية فذة تكشف للإنسان عن مركزه عند ربه في هذه الحياة وهو أنه خليفة في الأرض وأن الله تعالى جعل عمارة الكون تحت يد الإنسان تتعاقب عليه أجياله وأن الله تعالى فاوت في المواهب بين البشر لغاية سامية وحكمة عظيمة وهي الابتلاء والاختبار في القيام بتبعات هذه الحياة وذلك شأن يرجع إليه كماله المقصود من هذا الخلق وذلك النظام. وهذا كله مرتبط بهدف سورة البقرة وهو الاستخلاف في الأرض. سورة الأنعام تتحدث عن ملك الله تعالى في الكون وكأنما يقول تعالى لنا وحدوني أملككم الأرض وأجعلكم خلائف. (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) آية 165