قوله : ( باب فضل سورة البقرة ) أورد فيه حديثين : الأول : قوله : ( عن سليمان ) هو الأعمش ، ولشعبة فيه شيخ آخر وهو منصور أخرجه أبو داود عن حفص بن عمر عن شعبة عنه ، وأخرجه النسائي من طريق يزيد بن زريع عن شعبة كذلك ، وجمع غندر عن شعبة فأخرجه مسلم عن أبي موسى وبندار وأخرجه النسائي عن بشر بن خالد ثلاثتهم عن غندر ، أما الأولان فقالا عنه عن شعبة عن منصور وأما بشر فقال عنه عن شعبة عن الأعمش وكذا أخرجه أحمد عن غندر . قوله : ( عن عبد الرحمن ) هو ابن يزيد النخعي .
قوله : ( عن أبي مسعود ) في رواية أحمد عن غندر عن عبد الرحمن بن يزيد عن علقمة عن أبي مسعود وقال في آخره " قال عبد الرحمن ولقيت أبا مسعود فحدثني به " وسيأتي نحوه للمصنف من وجه آخر في " باب كم يقرأ من القرآن " وأخرجه في " باب من لم ير بأسا أن يقول سورة كذا " من وجه آخر عن الأعمش عن إبراهيم [ ص: 673 ] عن عبد الرحمن وعلقمة جميعهما عن أبي مسعود ، فكأن إبراهيم حمله عن علقمة أيضا بعد أن حدثه به عبد الرحمن عنه ، كما لقي عبد الرحمن أبا مسعود فحمله عنه بعد أن حدثه به علقمة ، وأبو مسعود هذا هو عقبة بن عمرو الأنصاري البدري الذي تقدم بيان حاله في غزوة بدر من المغازي ، ووقع في رواية عبدوس بدله " ابن مسعود " وكذا عند الأصيلي عن أبي زيد المروزي في نسخة أخرى وصوبه الأصيلي فأخطأ في ذلك بل هو تصحيف ، قال أبو علي الجياني : الصواب " عن أبي مسعود " وهو عقبة بن عمرو . قلت : وقد أخرجه أحمد من وجه آخر عن الأعمش فقال فيه : " عن عقبة بن عمرو " .
قوله : ( من قرأ بالآيتين ) كذا اقتصر البخاري من المتن على هذا القدر ، ثم حول السند إلى طريق منصور عن إبراهيم بالسند المذكور وأكمل المتن فقال : من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ، وقد أخرجه أحمد عن حجاج بن محمد عن شعبة فقال فيه : " من سورة البقرة " لم يقل " آخر " فلعل هذا هو السر في تحويل السند ليسوقه على لفظ منصور . على أنه وقع في رواية غندر عند أحمد بلفظ " من قرأ الآيتين الأخيرتين " فعلى هذا فيكون اللفظ الذي ساقه البخاري لفظ منصور ، وليس بينه وبين لفظ الأعمش الذي حوله عنه مغايرة في المعنى والله أعلم .
قوله : ( من آخر سورة البقرة ) يعني من قوله تعالى : آمن الرسول إلى آخر السورة ، وآخر الآية الأولى المصير ومن ثم إلى آخر السورة آية واحدة ، وأما ما اكتسبت فليست رأس آية باتفاق العادين . وقد أخرج علي بن سعيد العسكري في " ثواب القرآن " حديث الباب من طريق عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن علقمة بن قيس عن عقبة بن عمرو بلفظ : من قرأهما بعد العشاء الآخرة أجزأتا : آمن الرسول إلى آخر السورة ومن حديث النعمان بن بشير رفعه : إن الله كتب كتابا أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة وقال في آخره : آمن الرسول ، وأصله عند الترمذي و النسائي وصححه ابن حبان والحاكم . ولأبي عبيد في " فضائل القرآن " من مرسل جبير بن نفير نحوه وزاد فاقرءوهما وعلموهما أبناءكم ونساءكم ، فإنهما قرآن وصلاة ودعاء .
قوله : ( كفتاه ) أي أجزأتا عنه من قيام الليل بالقرآن ، وقيل أجزأتا عنه عن قراءة القرآن مطلقا سواء كان داخل الصلاة أم خارجها ، وقيل معناه أجزأتاه فيما يتعلق بالاعتقاد لما اشتملتا عليه من الإيمان والأعمال إجمالا ، وقيل : معناه : كفتاه كل سوء ، وقيل : كفتاه شر الشيطان ، وقيل : دفعتا عنه شر الإنس والجن ، وقيل : معناه كفتاه ما حصل له بسببهما من الثواب عن طلب شيء آخر ، وكأنهما اختصتا بذلك لما تضمنتاه من الثناء على الصحابة بجميل انقيادهم إلى الله وابتهالهم ورجوعهم إليه وما حصل لهم من الإجابة إلى مطلوبهم ، وذكر الكرماني عن النووي أنه قال : كفتاه عن قراءة سورة الكهف وآية الكرسي ، كذا نقل عنه جازما به ، ولم يقل ذلك النووي وإنما قال : ما نصه : قيل معناه كفتاه من قيام الليل ، وقيل : من الشيطان ، وقيل : من الآفات ، ويحتمل من الجميع . هذا آخر كلامه . وكأن سبب الوهم أن عند النووي عقب هذا باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي فلعل النسخة التي وقعت للكرماني سقط منها لفظ باب وصحفت فضل فصارت وقيل ، واقتصر النووي في " الأذكار " على الأول والثالث نقلا ثم قال : قلت : ويجوز أن يراد الأولان انتهى . وعلى هذا فأقول : يجوز أن يراد جميع ما تقدم والله أعلم . والوجه الأول ورد صريحا من طريق عاصم عن علقمة عن أبي مسعود رفعه من قرأ خاتمة البقرة أجزأت عنه [ ص: 674 ] قيام ليلة ويؤيد الرابع حديث النعمان بن بشير رفعه إن الله كتب كتابا وأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة ، لا يقرآن في دار فيقربها الشيطان ثلاث ليال " أخرجه الحاكم وصححه ، وفي حديث معاذ لما أمسك الجني وآية ذلك لا يقرأ أحد منكم خاتمة سورة البقرة فيدخل أحد منها بيته تلك الليلة أخرجه الحاكم أيضا . الحديث الثاني : حديث أبي هريرة ، تقدم شرحه في الوكالة ، وقوله في آخره صدقك وهو كذوب هو من التتميم البليغ ، لأنه لما أوهم مدحه بوصفه الصدق في قوله صدقك استدرك نفي الصدق عنه بصيغة مبالغة ، والمعنى صدقك في هذا القول مع أن عادته الكذب المستمر ، وهو كقولهم قد يصدق الكذوب ، وقوله " ذاك شيطان " كذا للأكثر ، وتقدم في الوكالة أنه وقع هنا " ذاك الشيطان " واللام فيه للجنس أو العهد الذهني من الوارد أن لكل آدمي شيطانا وكل به ، أو اللام بدل من الضمير كأنه قال : ذاك شيطانك ، أو المراد الشيطان المذكور في الحديث الآخر حيث قال في الحديث : " ولا يقربك شيطان " وشرحه الطيبي على هذا فقال : هو - أي قوله : فلا يقربك شيطان - مطلق شائع في جنسه ، والثاني فرد من أفراد ذلك الجنس . وقد استشكل الجمع بين هذه القصة وبين حديث أبي هريرة أيضا الماضي في الصلاة وفي التفسير وغيرهما أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن شيطانا تفلت علي البارحة الحديث وفيه ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطا بسارية وتقرير الإشكال أنه - صلى الله عليه وسلم - امتنع من إمساكه من أجل دعوة سليمان - عليه السلام - حيث قال : وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي قال الله تعالى : فسخرنا له الريح ثم قال : والشياطين وفي حديث الباب أن أبا هريرة أمسك الشيطان الذي رآه وأراد حمله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والجواب أنه يحتمل أن يكون المراد بالشيطان الذي هم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يوثقه هو رأس الشياطين الذي يلزم من التمكن منه التمكن منهم فيضاهي حينئذ ما حصل لسليمان - عليه السلام - من تسخير الشياطين فيما يريد والتوثق منهم ، والمراد بالشيطان في حديث الباب إما شيطانه بخصوصه أو آخر في الجملة لأنه يلزم من تمكنه منه اتباع غيره من الشياطين في ذلك التمكن ، أو الشيطان الذي هم النبي - صلى الله عليه وسلم - بربطه تبدى له في صفته التي خلق عليها ، وكذلك كانوا في خدمة سليمان - عليه السلام - على هيئتهم ، وأما الذي تبدى لأبي هريرة في حديث الباب فكان على هيئة الآدميين فلم يكن في إمساكه مضاهاة لملك سليمان ، والعلم عند الله تعالى
قوله : ( عن أبي مسعود ) في رواية أحمد عن غندر عن عبد الرحمن بن يزيد عن علقمة عن أبي مسعود وقال في آخره " قال عبد الرحمن ولقيت أبا مسعود فحدثني به " وسيأتي نحوه للمصنف من وجه آخر في " باب كم يقرأ من القرآن " وأخرجه في " باب من لم ير بأسا أن يقول سورة كذا " من وجه آخر عن الأعمش عن إبراهيم [ ص: 673 ] عن عبد الرحمن وعلقمة جميعهما عن أبي مسعود ، فكأن إبراهيم حمله عن علقمة أيضا بعد أن حدثه به عبد الرحمن عنه ، كما لقي عبد الرحمن أبا مسعود فحمله عنه بعد أن حدثه به علقمة ، وأبو مسعود هذا هو عقبة بن عمرو الأنصاري البدري الذي تقدم بيان حاله في غزوة بدر من المغازي ، ووقع في رواية عبدوس بدله " ابن مسعود " وكذا عند الأصيلي عن أبي زيد المروزي في نسخة أخرى وصوبه الأصيلي فأخطأ في ذلك بل هو تصحيف ، قال أبو علي الجياني : الصواب " عن أبي مسعود " وهو عقبة بن عمرو . قلت : وقد أخرجه أحمد من وجه آخر عن الأعمش فقال فيه : " عن عقبة بن عمرو " .
قوله : ( من قرأ بالآيتين ) كذا اقتصر البخاري من المتن على هذا القدر ، ثم حول السند إلى طريق منصور عن إبراهيم بالسند المذكور وأكمل المتن فقال : من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ، وقد أخرجه أحمد عن حجاج بن محمد عن شعبة فقال فيه : " من سورة البقرة " لم يقل " آخر " فلعل هذا هو السر في تحويل السند ليسوقه على لفظ منصور . على أنه وقع في رواية غندر عند أحمد بلفظ " من قرأ الآيتين الأخيرتين " فعلى هذا فيكون اللفظ الذي ساقه البخاري لفظ منصور ، وليس بينه وبين لفظ الأعمش الذي حوله عنه مغايرة في المعنى والله أعلم .
قوله : ( من آخر سورة البقرة ) يعني من قوله تعالى : آمن الرسول إلى آخر السورة ، وآخر الآية الأولى المصير ومن ثم إلى آخر السورة آية واحدة ، وأما ما اكتسبت فليست رأس آية باتفاق العادين . وقد أخرج علي بن سعيد العسكري في " ثواب القرآن " حديث الباب من طريق عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن علقمة بن قيس عن عقبة بن عمرو بلفظ : من قرأهما بعد العشاء الآخرة أجزأتا : آمن الرسول إلى آخر السورة ومن حديث النعمان بن بشير رفعه : إن الله كتب كتابا أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة وقال في آخره : آمن الرسول ، وأصله عند الترمذي و النسائي وصححه ابن حبان والحاكم . ولأبي عبيد في " فضائل القرآن " من مرسل جبير بن نفير نحوه وزاد فاقرءوهما وعلموهما أبناءكم ونساءكم ، فإنهما قرآن وصلاة ودعاء .
قوله : ( كفتاه ) أي أجزأتا عنه من قيام الليل بالقرآن ، وقيل أجزأتا عنه عن قراءة القرآن مطلقا سواء كان داخل الصلاة أم خارجها ، وقيل معناه أجزأتاه فيما يتعلق بالاعتقاد لما اشتملتا عليه من الإيمان والأعمال إجمالا ، وقيل : معناه : كفتاه كل سوء ، وقيل : كفتاه شر الشيطان ، وقيل : دفعتا عنه شر الإنس والجن ، وقيل : معناه كفتاه ما حصل له بسببهما من الثواب عن طلب شيء آخر ، وكأنهما اختصتا بذلك لما تضمنتاه من الثناء على الصحابة بجميل انقيادهم إلى الله وابتهالهم ورجوعهم إليه وما حصل لهم من الإجابة إلى مطلوبهم ، وذكر الكرماني عن النووي أنه قال : كفتاه عن قراءة سورة الكهف وآية الكرسي ، كذا نقل عنه جازما به ، ولم يقل ذلك النووي وإنما قال : ما نصه : قيل معناه كفتاه من قيام الليل ، وقيل : من الشيطان ، وقيل : من الآفات ، ويحتمل من الجميع . هذا آخر كلامه . وكأن سبب الوهم أن عند النووي عقب هذا باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي فلعل النسخة التي وقعت للكرماني سقط منها لفظ باب وصحفت فضل فصارت وقيل ، واقتصر النووي في " الأذكار " على الأول والثالث نقلا ثم قال : قلت : ويجوز أن يراد الأولان انتهى . وعلى هذا فأقول : يجوز أن يراد جميع ما تقدم والله أعلم . والوجه الأول ورد صريحا من طريق عاصم عن علقمة عن أبي مسعود رفعه من قرأ خاتمة البقرة أجزأت عنه [ ص: 674 ] قيام ليلة ويؤيد الرابع حديث النعمان بن بشير رفعه إن الله كتب كتابا وأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة ، لا يقرآن في دار فيقربها الشيطان ثلاث ليال " أخرجه الحاكم وصححه ، وفي حديث معاذ لما أمسك الجني وآية ذلك لا يقرأ أحد منكم خاتمة سورة البقرة فيدخل أحد منها بيته تلك الليلة أخرجه الحاكم أيضا . الحديث الثاني : حديث أبي هريرة ، تقدم شرحه في الوكالة ، وقوله في آخره صدقك وهو كذوب هو من التتميم البليغ ، لأنه لما أوهم مدحه بوصفه الصدق في قوله صدقك استدرك نفي الصدق عنه بصيغة مبالغة ، والمعنى صدقك في هذا القول مع أن عادته الكذب المستمر ، وهو كقولهم قد يصدق الكذوب ، وقوله " ذاك شيطان " كذا للأكثر ، وتقدم في الوكالة أنه وقع هنا " ذاك الشيطان " واللام فيه للجنس أو العهد الذهني من الوارد أن لكل آدمي شيطانا وكل به ، أو اللام بدل من الضمير كأنه قال : ذاك شيطانك ، أو المراد الشيطان المذكور في الحديث الآخر حيث قال في الحديث : " ولا يقربك شيطان " وشرحه الطيبي على هذا فقال : هو - أي قوله : فلا يقربك شيطان - مطلق شائع في جنسه ، والثاني فرد من أفراد ذلك الجنس . وقد استشكل الجمع بين هذه القصة وبين حديث أبي هريرة أيضا الماضي في الصلاة وفي التفسير وغيرهما أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن شيطانا تفلت علي البارحة الحديث وفيه ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطا بسارية وتقرير الإشكال أنه - صلى الله عليه وسلم - امتنع من إمساكه من أجل دعوة سليمان - عليه السلام - حيث قال : وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي قال الله تعالى : فسخرنا له الريح ثم قال : والشياطين وفي حديث الباب أن أبا هريرة أمسك الشيطان الذي رآه وأراد حمله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والجواب أنه يحتمل أن يكون المراد بالشيطان الذي هم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يوثقه هو رأس الشياطين الذي يلزم من التمكن منه التمكن منهم فيضاهي حينئذ ما حصل لسليمان - عليه السلام - من تسخير الشياطين فيما يريد والتوثق منهم ، والمراد بالشيطان في حديث الباب إما شيطانه بخصوصه أو آخر في الجملة لأنه يلزم من تمكنه منه اتباع غيره من الشياطين في ذلك التمكن ، أو الشيطان الذي هم النبي - صلى الله عليه وسلم - بربطه تبدى له في صفته التي خلق عليها ، وكذلك كانوا في خدمة سليمان - عليه السلام - على هيئتهم ، وأما الذي تبدى لأبي هريرة في حديث الباب فكان على هيئة الآدميين فلم يكن في إمساكه مضاهاة لملك سليمان ، والعلم عند الله تعالى