القرآن الكريم القرآن الكريم
المصاحف الكاملة

آخر الأخبار

المصاحف الكاملة
المصاحف الكاملة
جاري التحميل ...

انه لياتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة

شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري(27) الوزن يومئذ الحقّ شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري(27) الوزن يومئذ الحقّ الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، [ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا. سورة الكهف: باب: في قوله تعالى: {فلا نُقيم لهم يوم القيامة وزنا} 2148. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، اقْرَؤُوا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} الكهف: 105 . الشرح: باب في قوله تعالى {فلا نُقيمُ لهَم يومَ القيامة وزناً} وهي الآية الخامسة بعد المائة من سورة الكهف، وقد روى فيها الإمام مسلم الحديث في كتاب: صفة القيامة والجنة والنار. قوله: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي [ قال: « إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة « إنه سيجاء بالرجل العظيم، أي أنه كان معظّما معروفا في الدنيا لمنصبه وجاهه، أو لعشيرته وعائلته، أو لماله وغناه، وسمينا وهذا السمن يدل على الترف والغنى والكفاية، والتوسع في المطاعم والمشارب، وهي صفة مذمومة، كما ورد أنه في صفة الذين يأتون بعد القرون المفضلة الثلاثة: «ويظهر فيهم السّمن؟!» رواه مسلم . إلا أنه إذا جيء به في ذلك اليوم الذي تتكشف فيه الحقائق، وتبلى فيه السرائر، والوزن فيه الحق، لا يعدل عند الله عز وجل شيئا، ولا يزن مقدار جناح بعوضه ؟! قال الإمام النووي رحمه الله: أي: لا يعدل في القدر والمنزلة جناحها، أي: لا قدر له عند الله سبحانه . والعرب تقول: فلان عندنا وزن، أي: لا قيمة له، هذه الكلمة تدل على خسته وأنه لا قيمة له. قال تعالى عن ذلك اليوم: {ونَضعُ الموازينَ القِسط ليوم القيامة فلا تُظلم نفسٌ شيئا وإنْ كانَ مثقالَ حبةٍ من خردلٍ أتينا بها وكفى بنا حاسبين} (الأنبياء: 47). وقال سبحانه {والوزنُ يومئذٍ الحقّ فمن ثَقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفّت موازينه فأولئك الذين خَسروا أنفسهم في جهنم خالدون تَلفحُ وجوههم النار وهم فيها كالحون} المؤمنون: 102-104 . وهؤلاء الذين وصفهم الله سبحانه وتعالى في هذه الآية بأنهم لا قَدر لهم عنده، ولا منزلة ولا وزن، سبق الكلام عن صفاتهم في الآيات التي قبلها، حيث يقول الله عز وجل {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً} (الكهف: 103) أي: هل ننبئكم بأخسر الناس أعمالا، وأكثرهم ضلالا {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} (الكهف: 104) الذين ضلّ سعيهم يعني: بطل سعيهم، وضاعت حسنات أعمالهم التي كانوا يعملونها في الحياة الدنيا سدى، واضمحلت، وهم يحسبون أنفسهم أنهم يحسنون صنعا. وقد اختلف السلف رحمهم الله فيهم: من هم ؟ فقال بعضهم: هم اليهود؛ لأنهم يظنون أنفسهم على حق وصواب، وطائفة قالت: هم النصارى. وأخرى قالت: هم رهبان النصارى الذين انقطعوا عن الناس في الصوامع، وفي الديار وتفرغوا لعبادة الله عز وجل، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وهم في حقيقة الأمر ليسوا على شيء؟! بل هم على عبادات باطلة مبتدعة، كما قال الله {ورهبانيةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم} (الحديد: 27). وقال بعض السلف: هم أهل الأهواء والبدع، كالخوارج والرافضة والقدرية والجهمية وأشباههم، الذين يظنون أنهم على الهداية والحق وعلى الخير، وأن غيرهم على الباطل! وهم في حقيقة أمرهم على غير ذلك؛ لأنهم قد ضل سبيلهم، وانحرف تفكيرهم. والناظر في هذه الآية يجد أنها يمكن أن تفسر بجميع هؤلاء؛ لأن الآية تشمل كل من ضلّ سعيه في الحياة، وتعم كل من بطل عمله، وضاع عمره في عبادات مبتدعة باطلة، ومناهج فاسدة، أو في دين باطل منسوخ؛ لأن الإنسان المبتدع يرجو من وراء عمله الثواب والحسنات، وهو في الحقيقة يكتسب السيئات؛ لأن النبي [ يقول في الحديث الصحيح: « مَنْ عمل عملاً ليس عليه أمرُنا، فهو ردٌّ» متفق عليه . و«ردٌ» بمعنى مردود عليه يوم القيامة فلا يستفيد منه شيئا، مع أنه كان يحسب في الحياة الدنيا أنه يحسن صنعا، أنه محسن، وغيره ليس كذلك ؟! وهذا يدل على أنه مغترٌ بما هو عليه، قد أضله الله عز وجل؛ ولذلك رأى القبيح حسناً، فرأى السيئة حسنة، ورأى الحسن سيئاً، فانعكست فطرته، وانقلبت موازينه؛ ولهذا فسد رأيه . ثم قال عز وجل في بيان صفاتهم أيضا: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} (الكهف: 105) أي: هؤلاء هم الذين كفروا وكذّبوا بآيات ربهم، سواء كانت آيات كونية خلقها الله في الآفاق يرونها بأبصارهم، أو آيات سمعية مما يتلى عليهم من الآيات البينات التي جاءت بها الرسل، فهم قد كذبوا بآيات ربهم كلها، كما كذبوا بلقائه، يعني: كذّبوا بالبعث والنشور والقيامة {فحبطت أعمالهم} حبطت أي: هلكت وضلت واضمحلت وفسدت {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} (الكهف: 105) يعني: ليس لهم عندنا قدرٌ يوم القيامة ولا منزلة، ولا نعبأ بهم، بل هم يوم القيامة لا وزن لهم البتة لحقارتهم . وهذا الحديث فيه فوائد منها: أن الميزان حقٌ يوم القيامة، وهو من عقائد أهل السنة والجماعة، وفيه نصوص كثيرة . وأن يوم القيامة هو يوم الوزن الحق، كما قال سبحانه: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (الأنبياء: 47). فموازين يوم القيامة قسط وعدل لا ظلم فيها ولا جور . والميزان تارة توزن فيه الأعمال، وتارة يوزن فيه الأشخاص، وتارة توزن فيه الصحائف . والحديث يدل أيضا: على أن بعض الناس يوضع في الميزان يوم القيامة بشخصه، فلا يزن عند الله حتى جناح بعوضة؛ لحقارته وخسته، وهذا التمثيل بجناح البعوضة لأنه لا وزن له ولا قيمة تذكر، وهذا لأنه كفر بالله وآياته وكتبه ورسله وبالبعث وما أشبه ذلك، فكما نسي الله في الدنيا ولم يبال بدينه وشريعته، كذلك يكون حاله في الآخرة . في حين أن بعض الصالحين يزن عند الله الجبال، كما جاء في حديث الإمام أحمد: أن الصحابة ضحكوا من دقة ساق ابن مسعود رضي الله عنه فقال صلى الله عليه وسلم: «لم تضحكون ؟ قالوا: لا والله يا رسول، ولكن لدقة ساقيه، فقال [: «والذي نفسي بيده، لهما أثقل عند الله في الميزان من جبل أُحُد». فهذا وزن الأشخاص هناك، أما وزن الأعمال: فكقول النبي [: «كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» متفق عليه. هذا وزن للأعمال . ومثل قوله عليه الصلاة والسلام: «أثقل شيء في ميزان المؤمن خلقٌ حسن» رواه الترمذي والبخاري في الأدب . أما الثالث: فهو وزن صحائف الأعمال: وفي هذا حديث صاحب البطاقة الذي ينشر له يوم القيامة تسعة وتسعون سجلا، كل سجل كمد البصر، ويؤتى ببطاقة ُكتب عليها: لا إله إلا الله، فتوضع البطاقة في كفة، والصحائف في كفة، فتطيش السجلات، وثقلت البطاقة. وفي الحديث: أن الإنسان لا ينبغي له أن يغتر بالصور والأشخاص والأجسام، وإنما ينظر إلى المعادن والقلوب، وإلى الأقوال والأعمال، فرب شخص عظيم في بدنه، أو معظم عند قومه، وهو لا يزن عند الله جناح بعوضه، فليحذر الإنسان من ذلك، وكان بعض السلف يقول: اللهم إني أعوذ بك أن أكون في نفسي عظيما، وعندك حقيراً! فعلى الإنسان أن يحذر أن يكون معظما في الناس، وهو لا يزن عند الله جناح بعوضة، فالواجب أن ينظر إلى أسباب الوزن الحقيقي، وسبب ثقل الميزان يوم القيامة من الإيمان والعمل الصالح، وحسن الخلق والاستقامة، والإتيان بما يحب الله عز وجل من الأقوال والأعمال . وفي الحديث: ذمٌّ للسمن الذي ينتج عن الإسراف في المطاعم والمشارب، والإخلاد للكسل، وقد ذمّ الله سبحانه وتعالى في كتابه المترفين، الذين يبالغون في الترف {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} (الواقعة: 45) وهذا وصفٌ لهم أنهم بالغوا في التنعم، واخلدوا إلى الدنيا حتى شغلهم ذلك عن الطاعة، وإذا شغل النعيم والنعمة عن الطاعة فهذا أمر مذموم؛ لأن النعمة إنما خُلقت ليستعين بها الإنسان على طاعة الله عز وجل؛ فإذا اشتغل الإنسان بها عن طاعة الله، أو شغلته النعمة عن طاعة الله، فهذا يكون قد وقع في أمر مذموم محرم .

عن الكاتب

SoftSpace

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

عن الموقع

author«القرآن الكريم» هي مدونة إلكترونية متخصصة في مجال الأسرة والمجتمع والتكنولوجيا الإلكترونية الهدف من هذا القانون هو نشر الثقافة التقنية للجميع من خلال سلسلة من المقالات والدورات التعليمية المجانية ، اعتقادا منها أنه يجب نشر العلم ، وليس بيعه ، لجذب انتباه المعلمين العرب وتحفيزهم على التدوين في الميدان من تقنيات التعليم لنشر أفكارهم وخبراتهم. تقوم المدونة بترجمة أهم المقالات والأخبار على المواقع الأجنبية
معرفة المزيد ←

جميع الحقوق محفوظة

القرآن الكريم