القرآن الكريم القرآن الكريم
المصاحف الكاملة

آخر الأخبار

المصاحف الكاملة
المصاحف الكاملة
جاري التحميل ...

شروط إجابة الدعاء وأفضل أوقاته


بسم الله الرحمن الرحيم. الأخت الفاضلة/ رشا حفظها الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد: فهذا سؤال حسن كريم، بل هو من توفيق الله عز وجل، فإذا أراد الله بعبده الخير فتح له باب الدعاء، فتح له باب القرب منه جل وعلا، فإن للدعاء - يا أختي - كسرة في النفس يجدها المؤمن إذا دعاء ربه، ورفع يديه متضرعاً، فيحصل له من الإنكسار لله، ومن التضرع، ومن الإحساس بقربه من ربه أمر يفوق الوصف ولا تبلغه إشارة، وإنما يعرف ذلك من منَّ الله جل وعلا عليه به؛ ولذلك خرج أبو داود في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة)، وخرج الترمذي في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء)، أخرجه الترمذي في سننه، وهذا حديث عظيم بليغ القدر يبين جلالة قدر هذه العبادة عند الله جل وعلا؛ ولذلك فمن وفقه الله عز وجل لهذه العبادة فإنه يجد من خيرها وفضلها ما يهون عليه أمور دنياه، وثباته عند الملمات، ويجعله راسخاً ثابتاً، وقد قال الله جل وعلا: ((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ))[غافر:60]، فصرح جل وعلا أن دعاءه هو العبادة، كما بينه صلوات الله وسلامه عليه وقال جل وعلا: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ))[البقرة:186]. وهذا أيضاً - يا أختي - يحتاج إلى يقين المؤمن الذي يعلم أن الله عز وجل يستجيب له، وأنه طالما توكل على الله فإن الله متوليه، قال تعالى: ((وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا))[النساء:81]، وقال جل وعلا: ((وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ))[الأنفال:49]، ولذلك خرج الترمذي في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً) أي: خاليتين، أي يستحي جل وعلا بكرمه وفضله أن يرد يدي عبده خاليتين، بل يجيب دعاءه. فإن قلت: فكيف ذلك ونحن نرى أن المؤمن قد يدعو ببعض الأمور ثم لا يستجاب له؟ فالجواب: كلا؛ بل يستجاب له إذا حقق شروط الدعاء، ولكن بإحدى أمور ثلاث، وهي التي نطق بها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذن نكثر! قال: الله أكثر) أخرجه الترمذي في سننه. قالوا: نكثر من الدعاء، قال: (الله أكثر)، أي: أكثر إحساناً وأعظم براً وفضلاً، وبهذا يفتح لك باب عظيم - يا أختي - من الفقه في دين الله، وهو أن الله جل وعلا لابد أن يستجيب لعبده المؤمن إذا دعاه ووفى شروط إجابة الدعاء، وأنه ينال بذلك إحدى هذه الخصال الثلاث العظيمة. إذا علم هذا فإن شروط الدعاء التي إن أخذ بها العبد استجاب الله دعاءه هي كالآتي: أولها الإخلاص لله، وهي: أن تدعي ربك جل وعلا مخلصة له الدين، فلا تدعي غيره، ولا تسألي أحداً إلا هو جل وعلا، فتخلصي له برغبتك ورهبتك، كما قال تعالى: ((مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ))[البينة:5]، وقال - صلوات الله وسلامه عليه -: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله) خرجه الترمذي في سننه. ثانياً: عدم أكل الحرام، فإن الحرام مما يمنع إجابة الداعي، كما قال - صلوات الله وسلامه عليه -: (وذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يرفع يديه: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام؛ فأنى يستجاب لذلك!). ثالثاً: حضور القلب، ومعنى حضور القلب: أن يكون المؤمن عند دعائه عارفاً ما يدعو به، متذكراً أنه يناجي خالقه ومولاه جل وعلا؛ ولذلك قال - صلوات الله وسلامه عليه -: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه)، والحديث خرجه الترمذي في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم. رابعاً: إظهار الافتقار، وهذا غير الشرط الذي تقدم، ومعناه أن تكوني عند دعائك مظهرة ضراعتك، أي: فقرك وضراعتك إلى الله جل وعلا، فتدعينه مفتقرة إلى رحمته، سائلة إياه جل وعلا أن يهبك من فضله، وراجية أن يقيك الشرور والفتن، وهذا يجمعه أن تدعيه خوفاً مما عنده، ورغبة فيما لديه جل وعلا، قال تعالى: ((ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ))[الأعراف:55]، ((وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ))[الأعراف:56]، فمن لم يظهر الافتقار إلى الله جل وعلا فقد وقع له نوع من الاعتداء في الدعاء، وإن لم يكن قاصداً ذلك، إلا أنه بمجرد ألا يظهر افتقاره إلى الله جل وعلا فقد حصل له هذا، كما نص على هذا طائفة من أهل العلم المحققين عليهم جميعاً رحمة الله تعالى. خامساً: عدم الاستعجال في الدعاء، وهذا المعنى قد فسره صلوات الله وسلامه عليه بقوله: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت ربي فلم يستجب لي) أي: فيترك الدعاء بعد ذلك كما صرح به في الرواية الأخرى، والحديث مخرج في الصحيحين. سادساً: عدم الدعاء بالإثم والعدوان وقطيعة الرحم ونحوها من كل ذنب، كما قال صلوات الله وسلامه عليه: (لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم). سابعاً: عدم العدوان في الدعاء، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون من أمته من يعتدي في الطهور والدعاء، وقد بين جل وعلا هذا الأمر بقوله تعالى: ((ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ))[الأعراف:55]، ففيه إشارة إلى هذا المعنى، وهذا يشمل ما أشرنا إليه من عدم الدعاء بالإثم والعدوان، ويشمل أيضاً سؤال الله ما لا يجوز سؤاله إياه، كمن يسأله مرتبة لا يصل إليها، كمن يسأل الله جل وعلا بعض الأمور التي اختص بها الأنبياء، والتي لا تكون لعامة البشر. ومن الاعتداء في الدعاء أن يرفع الصوت بصورة منكرة مبالغ فيها، وهذا قد ورد فيه النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى الصحابة عن ذلك وقال: (اربعوا على أنفسكم؛ إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً بصيراً...)، خرجه البخاري. ثامناً: الجزم بالدعاء، بحيث إذا دعوت فلا تقولي: "اللهم اغفر لي إن شئت" أو "اللهم ارزقني إن أردت"، فتقيدين ذلك بالمشيئة، فهذا منهي عنه، كما قال - صلوات الله وسلامه عليه -: (لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة فإنه لا مكره له)، أي: لا أحد يكره الله جل وعلا، (ولا تتعاظمه رغبة جل وعلا)، كما ورد في رواية أخرى، والحديث مخرّج في الصحيحين. إذا عُلم هذا فإنه لا ينبغي أن يفوتك – يا أختي – أن تبدئي دوماً بالحمد والثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تسألي الله جل وعلا حاجتك، فقد خرج أبو داود في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه سمع رجلاً يدعو في صلاته لم يمجّد الله تعالى، ولم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلوات الله وسلامه عليه: عجل هذا) أي: استعجل في سؤاله ودعائه، (ثم دعاه فقال له: إذا صلى أحدكم -أي: إذا أراد الدعاء- فليبدأ بتمجيد ربه عز وجل، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بعد بما شاء)، والحديث خرجه أبو داود في السنن. وهذا أمر يحتمل البسط لأكثر من هذا الكلام، وقد ذكرنا فيه أصولاً تنفعك نفعاً حسناً. وأما عن سؤالك عن المواضع التي يتأكد فيها الدعاء وتكون أقرب للإجابة؛ فكل وقت تستطيعين أن تدعي به ربك جل وعلا فهو صالح لهذا المعنى، فاجعلي ذلك من شأنك، ولكن يتأكد في بعض الأحوال الفاضلة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم، كما خرّجه مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء)، ومن هذا المعنى أن يدعو المؤمن في جوف الليل، أي: في وسطه وآخره، لا سيما آخره؛ فإنه وقت نزول الرب تبارك وتعالى الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيه: (إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل يعطى؟ هل من داع يستجاب له؟ هل من مستغفر يغفر له؟ حتى ينفجر الصبح)، وهذا لفظ مسلم في صحيحه. ومن المواضع العظيمة دبر الصلوات المكتوبات، أي: بعد أن تصلي الصلاة المفروضة، كما خرّجه الترمذي في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (سئل: أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات)، ويتأكد الدعاء في أوقات خاصة أخرى، ومن أعظمها ليلة القدر، فهي ليلة الدعاء التي يشمر لها المشمرون، ومن ذلك أيضاً بين الأذان والإقامة، ومن ذلك أيضاً عند سماع الأذان للصلوات المفروضة، وكذلك عند نزول الغيث (المطر)، ومن ذلك أيضاً عند شرب ماء زمزم، ومن ذلك أيضاً عند الاستيقاظ من النوم ليلاً لقيام الليل والدعاء بما تيسّر بعد الذكر الوارد فيه، ومن ذلك أيضاً دعاء يوم عرفة الذي قال فيه - صلوات الله وسلامه عليه -: (خير الدعاء دعاء عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) أخرجه الترمذي في سننه. ومن ذلك أيضاً دعوة الصائم حتى يفطر ودعوته عند فطره، ومن أشد المواضع استجابة دعاء المضطر، فمن اضطر إلى الله تعالى أجاب دعاءه، قال تعالى: ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ))[النمل:62]، وهنالك مواضع أخرى تحتمل السرد بأكثر من هذا، ونسأل الله عز وجل لك التوفيق والسداد، وأن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، وأن يجعلك من عباد الله الصالحين، وأن يوفقك لما يحب ويرضى. ونوصيك – يا أختي - بالدعاء لنفسك، والدعاء لإخوانك المؤمنين والمؤمنات عموماً، وأن ينصر الله عباده المؤمنين، وأن يوفقهم لما يحبه ويرضاه، وأن يجمع شمل المسلمين، ولا تنسينا نحن أيضاً من دعائك. وبالله التوفيق.

عن الكاتب

SoftSpace

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

عن الموقع

author«القرآن الكريم» هي مدونة إلكترونية متخصصة في مجال الأسرة والمجتمع والتكنولوجيا الإلكترونية الهدف من هذا القانون هو نشر الثقافة التقنية للجميع من خلال سلسلة من المقالات والدورات التعليمية المجانية ، اعتقادا منها أنه يجب نشر العلم ، وليس بيعه ، لجذب انتباه المعلمين العرب وتحفيزهم على التدوين في الميدان من تقنيات التعليم لنشر أفكارهم وخبراتهم. تقوم المدونة بترجمة أهم المقالات والأخبار على المواقع الأجنبية
معرفة المزيد ←

جميع الحقوق محفوظة

القرآن الكريم