ولقد كان علماء الشيعة يعتزون بظاهرة تفرق بينهم وبين علماء السنة في القرن الماضي: وهي أن أئمة الشيعة موضوعون بمقام من التقدير يضاهي مقام أئمة الدين الماضيين.
فلم يكونوا يتقاصرون عن إظهار بحوثهم في العلم ، واجتهاداتهم في الدين ، ولا يحجمون عن وضع التآليف ، وإبراز الآثار العلمية ، بخلاف ما وقر في نفوس علماء السنة من تقاصر أمام مقامات السابقين ، واكتفاء بالعكوف على مخلفاتهم من التصانيف يدرسونها ويشرحونها ويعلقون عليها ، وكان مجال التنافس العلمي والتنازع المذهبي بين السنيين والشيعة الإمامية ، مفتوحاً لأن يرمي هؤلاء أولئك بالقصور عن رتبتهم ، مستدلين بكثرة تآليفهم وسمعتها وتوافرها ، ومن شأن ذلك أن يحفز أهل الهمم ، ولا سيما الذين كانوا يصلون منها نيران تلك المعارك الفكرية الحامية الوطيس ، وخاصة ببلاد العراق ، مثل الشهاب الآلوسي ، إلى أن يبرزوا من الآثار ما يكون ناطقاً بعلو كعبهم في العلم ، وطول باعهم فيه بما يرى على ما يرميهم به منافسوهم من قصور أو تقصير.
وفي ذلك ما يبين لنا بعض الحوافز التي حركت الشيخ محمود الآلوسي إلى الإقبال على وضع تفسير جديد ، كما في ذلك أيضاً ما يبين لنا سر العناية والاهتمام اللذين لقيهما ذلك العمل الجليل من سلاطين آل عثمان المعاصرين له: الغازي محمود الثاني ، وابنه الغازي عبد المجيد الأول ، فإننا إذا نظرنا إلى التفاسير التي كانت تروج في العالم الإسلامي في ذلك القرن وجدناها ثلاثة أصناف: