فما كان منهم من تعذر عليه فهمه ، ولا من خفيت عليه مقاصده ومعانيه ، بل كان وضوح معانيه ، ويسر فهمه ، هو الأصل فيما قام حوله من صراع بين مؤمن يجد فيه شفاء نفسه ، وانشراح صدره ، وكافر ينقبض لقوارع آياته فلا يزال يدفعها بالإعراض والمعارضة ، والدفاع والمقارعة ، وكان ذلك هو الأصل أيضاً في تكوّن الأمة المحمدية ، وتولد التاريخ الإسلامي.
ألقيت الآيات الأولى على قوم ، ما كان فيهم مقتنع بأنه حق ، آت من الله ، فلم تزل آياته تتابع ، فيطمئن إلى صدقها الفرد ثم الفرد ، والجماعة ثم الجماعة ، حتى انسلخت عن عداد المكذبين المرتابين جمهرة من المطمئنين المصدقين ، هم الذين هاجروا وآووا ونصروا ، والذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم ، لإعلاء كلمة الله فكانت دعوة القرآن هي العامل في تكوين تلك الأحداث التي تولد منها التاريخ الإسلامي.وما كان مثل ذلك الواقع ليتكون إلا من كلام مفهوم ، ودعوة درك معناها الذي جاد بنفسه في سبيل نصرتها أو من لقى الحتف في موقف معارضتها.