وإن إتقان صناعة الحديث والتبرز في إسنادها هما الكفيلان بإيقاف المتلقنين للتفسير على ما هو صحيح منه ، وليس في وسع المفسر أن يرده ، ولا أن يعدل عنه ، وما هو سقيم ما كان ينبغي اعتباره ولا الالتفات إليه ، فضلاً عن التقيد به والبناء عليه والتزامه.
وليرجع هؤلاء المحدثون إلى التفسير بالمأثور حرمته ، وليتوجهوا ، إلى الطريقة العلمية الجديدة التي انصرف الناس إليها عن التفسير بالمأثور ، يكشفون ما اشتملت عليه من عيب ، ويشهرون بما انطوت عليه من نقص واختلاف ، فعمدوا إلى الأخبار الصحيحة التي لا خدش في أسانيدها ، وتتبعوا بها مواقع التفسير العلمي ، أو التفسير بالرأي ، حيثما وجدوا اختلافاً عن تلك الأحاديث ، أو نَبوة أحصوها وأذاعوها وعيروا أهلها بمصادقة صحيح الآثار ، واستعمال الرأي في ما لا مجال له فيه من قواطع الدين كما فعل أهل الأثر من الفقهاء بمقالات أهل الرأي منهم ، لما خالفت الثابت المروي ، فِعل الإمام محمد بن إدريس الشافعي بأهل العراق وأهل الحجاز في كتابه الذي سماه (اختلاف الحديث).