وقرر ذلك بوجوه: اعتماداً على أن الله تعالى ملأ كتابه الحكيم بمثل تلك الاستدلالات الكونية ، وبين في ذلك من عجائب الخلقة ، ومدح المتفكرين فيها وأن الناس في ذلك التفكير على درجتين: منهم من يكتفي بالاستدلال الإجمالي ، ومنهم من يسمو إلى الاستدلال التفصيلي ، وأن لكثرة الدلائل وتواليها أثراً في تقوية اليقين ، وإزالة الشبهات.وختم هذا البيان بقوله: "فإذا كان الأمر كذلك ظهر أنه تعالى إنما أنزل هذا الكتاب لهذه الفوائد والأسرار ، لا لتكثير النحو الغريب ، والاشتقاقات الخالية عن الفوائد ، والحكايات الفاسدة.نسأل الله العون والعصمة".
وببيان هذا المنهج ، الذي سار عليه الإمام الرازي ، يتضح أن إعجاز القرآن كما كان غير محصور في وجه إعجازه البلاغي ، وإنه يتجلى في أوجه أخرى غيره: منها الإعجاز العلمي والإعجاز الغيبي ، على ما صرح به القاضي عياض في الشفاء ، وعلى ما أشار إليه من قبل القاضي أبو بكر الباقلاني في كتابه " إعجاز القرآن " ، وأنه إذا كان تفسير الزمخشري قد تكفل ببيان وجه الإعجاز البلاغي ، فإن معظم ما يرجع إلى الوجهين الآخرين من الإعجاز لم يتكفل به إلا تفسير الرازي ، وذلك ما تعم به حجة إعجاز القرآن جميع أهل العقول والمعارف ، من العرب وغيرهم ، وينادي به برهان إعجاز القرآن في عموم اللغات.