ومن هنالك أصبح تفسير البيضاوي: بمحتواه ، ومنهجه ، وأسلوبه ، أثراً سامي القيمة أسدى به القاضي يداً بيضاء للباحثين والدارسين ، إذ قرب منهم المستعصى ، وجمع لهم المتفرق ، وضبط لهم تحرير غير المحرر ، وسمى كتابه هذا " أنوار التنزيل وأسرار التأويل ".
فأحله الناس منذ بروزه واشتهاره ، في النصف الثاني من القرن السابع ، محل الاعتماد والإقبال ، وعكفوا عليه عكوفهم على المرجع الأصلي للتفسير ، إذ امتاز بالجمع بين التفسيرين المتكاملين اللذين لا يستغني الدارس المتقن ، والباحث المستبحر ، بأحدهما عن الآخر ، وهما: الكشاف ، وتفسير الرازي ، بما أفاد بالنسبة إلى الكشاف من ضبط مقاصده البيانية على مصطلح واضح مألوف ، ثم من تخليصه من النزعات المذهبية الاعتزالية التي ينزع الزمخشري إليها وإن كان قد ساير صاحب الكشاف في أمور عدها المعلقون عليه عداً لمآخذ لكونه جرى فيها على خلاف الأصول الأشعرية ، ولم يخلص فيها كلام الكشاف من نزعته الاعتزالية.
أما بالنسبة للإمام الرازي فقد أفاد فيوضه المتدفقة المسهبة ضبطاً واختصاراً وتحصيلاً ، في ما له في مواضع من نبوة أو قصور عبارة ، أفاده دقة وتحقيقاً ، وتعبيراً رشيقاً.