إما الانسلاخ التام عن مثله ومبادئه الاعتقادية ، بتعوده شيئاً فشيئاً ، ما هو جار عليه من واقع ناب عن تلك المثل والمبادئ ، وإما عزم جديد يدفعه إلى أن يجمع نفسه النافرة ، إلى نفسه الحاضرة ويتناول ما هو أمامه بجأش رابط ، وفكر ثاقب ، حينما يستطيع أن يجد في مثله العليا ومبادئه الاعتقادية مساغاً لتلك الأحداث التي هو خائض غمارها من حيث يدري ولا يدري.
ولكن الذي كان يحول بينه وبين ذلك العزم الجديد: أن المثل العليا ، والمبادئ التي استمدها من تعاليم الإسلام ، كانت غير متفتحة لأن يجد فيها مساغاً للأحداث الداهمة عليه ، فإن تلك المبادئ الإسلامية السمحة التي آخت بين العقل والدين ، ومكنت للأحكام الشرعية محل انطباقها ، دائر مع دوران المعاني والمصالح ، واختلاف الظروف الزمنية والمكانية ، كانت مع ذلك قد حملت من البدع ، وسئ التأويل وقصور الأنظار ، ما لا قبل لها باحتماله فقصرت المعاني عن غاياتها ، وانكمشت مرامي الدين عن أنظار العلم والحكمة ، وزادها ظلام عصور الجهالة وقرون الانحلال تضاؤلاً وانكماشاً.