ولكن الفتى العربي فيها
غريب الوجه واليد واللسان
بل تتجاوز ذلك إلى ما هو أبلغ في وحشة الاغتراب ، أعني غربة الرجل في وطنه ، التي يقول فيها أبو العلاء:
أولو الفضل في أوطانهم غرباء
تشذ وتنأى عنهم الغرباء
ثم إلى حالة من الغربة فوق ذلك كله: هي غربة الإنسان بنفسه عن نفسه ، حيث يحس بأنه واقف من صروف أحداثه وتقلبات زمانه ، موقفاً يجعله شاهداً في الغائبين ، وغائباً معدوداً في الشاهدين حيث يكون بحسه مع الأحداث مخالطاً لها ، ويكون لبه وجوهر نفسه قد تخلفا عنه ، لأنهما لم يستطيعا لتلك الأحداث الثقيلة المنكرة ، خلطة ومراساً ، فيكون في وقت واحد هو ليس هو ، ويشهد الأحداث شهوداً حسياً في ذهول إدراكي إذ تمتد يده إلى أمور لا يطمئن إليها قلبه ، ويرى بصره قريباً ، ما يوده فؤاده بعيداً ، فتضطرب في نفسه الأحاسيس ، وتتدافع العوامل وهو تارة يبتعد عن حضوره النفسي متعلقاً بجريان الأحداث الماثلة من حوله ، وتارة أخرى يغيب عن حضوره الشبحي طائراً إلى مسبح نفسه في آفاق الحقائق المجردة ولسان حاله ينشد:
ردوا على جفني النوم الذي سلبا
ونبئوني بعقلي أين ذهبا
فلا يزيد عليه يوم على ذلك إلا وحيرته زائدة ، واضطرابه مرتبك به ، وألمه بالغ مبلغ ما قال ابن الفارض:
عمره واصطباره في انتقاص
وجواه ووجده في ازدياد
في قرى مصر جسمه والأصيحا
ب شاما والقلب في أجياد