فالاستعمار البريطاني في صورته الطاغية الهادئة بعد القضاء النهائي على آخر رمق من إمبراطورية المغل ، في حرب السبهي قد كان عبرة لاستيلاء القلة على الكثرة ، ومنال الدخيل من الأصيل ، من شأنها أن تبعث في نفس من يرقبها عن كثب ، اعتبارات ومقايسات وأنظاراً في الأسباب والمسببات تفتتح له في إدراك ما أظهر الله من آية ، وما أخفى من سر ، في شأن هذه الأمة العجيبة التي تقلبت بها الأحوال بعد سلطان مبسوط ، وصفات فاضلة وعمران مستبحر وعزة قعساء إلى ما تعانيه من مذلات وإهانات وترزء به من خراب في البلاد أو فناء في الأرواح.
والحياة التي كان يحياها الإنكليز في الهند ، في المدن الخاصة بهم بضواحي العواصم الهندية الكبرى ، قد كانت مثلاً غريباً في نظام الأسرة وحياة الجماعة وسيطرة الحكمة والرشد على كل مظهر من مظاهر السلوك.