فإذا كان الحكيمان قد أصبحا عبارة عن صورتين متطابقتين ، فإن الصورة التي نتتبع فيها ما كان لتلك الحكمة من أثر في تفسير القرآن إنما هي الصورة الشرقية العربية: ونعني بها صورة الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده.
كان الشيخ محمد بن عبده خير الله من الريف المصري ، من قرية في منطقة شبراخيت تسمى " محلة نصر " لم يبتدئ بتعلم القراءة والكتابة إلا وهو ابن عشر سنين.ثم بعد أن حفظ القرآن العظيم وجوده ، تقاذفته مناهج التعليم المتبعة يومئذ بين اطمئنان ونفور ، حتى أخذته يد إرشاد صوفي طاهر هذبت نفسه ، وحببت إليه العلم فنال منه طرفاً بالمعهد الأحمدي في طنطا ، ثم التحق بالجامع الأزهر بالقاهرة سنة 1282هـ وداوم على الدراسة إلى أن اتصل بالسيد جمال الدين الأفغاني أول سنة 1287هـ فلازمه ثماني سنين ملازمة كانت هي عامل تكونه الحقيقي ، وتخرجه على المناهج الحكمية النظرية: التي أحياها وساقه إليها السيد جمال الدين.
فلم يكن الشيخ محمد عبده في الحقيقة إلا أثراً من آثار السيد الأفغاني ، لم ينفذ إلى لباب المعارف إلا بتوجيهه ، ولم يتذوق روح حكمتها إلا بنفحاته ، فلا عجب أن يكون بما أتيح له من رفقته ، وما تأتى له: من تشرب أفكاره ، وهضمها ، والتصرف فيها تصرف الإيضاح والضبط والتركيب والتحرير ، صورة منه ، تشرب روحه ، وتنفس حكمته ، وأسس مباني عمله على القواعد التي وضعها الجمال بيده.
وعلى ذلك كانت الحكمة التي تعلقت بها حكمة جمال الدين الأفغاني: وهي آية:
{