وكانت يد الجبروت ، التي خرجت بالسيد جمال الدين من الهند ، قد خرجت قبله ، من حيث لا يعلم هو ، بصديقه وتلميذه من مصر منفياً ، فأقام في بيروت.
جمعت رياح الأحداث بين الرجلين في باريس ، أوائل السنة الموالية ، فامتزجت الروح بالروح ، وتجسمت الفكرة القلم ، وأقبل جمال الدين بعقله ، ومحمد عبده بقلمه ، يخطان منهج الخلاص في جريدة " العروة الوثقى " ، مؤلفين بين مراحله العرضية في معالجة الأحداث الجارية يومئذ في العالم الإسلامي ، وبين مقاماته الجوهرية في معالجة الانحرافات: الاعتقادية ، والخلقية ، والاجتماعية ، التي نزلت بالعالم الإسلامي ، وبيان براءة الإسلام منها ، وإن عود الإسلام إلى حالة عزه متوقف على تقويم تلك الانحرافات.
وتجسدت بذلك عناصر الفكرة الإصلاحية جلية لصاحبيها ، قبل أن تتجسد لمن عداهما من الناس ، واتخذت فكرة جمال الدين الأفغاني من بلاغة قلم تلميذه ، ونفوذ بيانه ، معارض برزت فيها صورها صافية ناصعة ، وقد تخلصت مما كان رائناً عليها من انقباض طبعه ، وتشاؤم نزعته وانحلت عنها عقدة العجمة التي كانت ترسف في قيودها ، فأصبح الرجلان متكاملين ، وتمازجا وتفاعلا حتى صارا مثنيين ، فإذا كل منهما هو الآخر بعينه.