قال الطيبي : المراد بالمحكم ما اتضح معناه ، والمتشابه بخلاف ، لأن اللفظ الذي يقبل معنى إما أن يقبل غير أو لا ، الثاني النص ، والأول إما أن تكون دلالته على ذلك المعنى راجحة أو لا ، والأول هو الظاهر ، والثاني إما أن يكون مساويه أو لا ، والأول هو المجمل ، والثاني المؤول . فالمشترك هو النص ، والظاهر هو المحكم ، والمشترك بين المجمل والمؤول هو المتشابه . ويؤيد هذا التقسيم أنه سبحانه وتعالى أوقع المحكم مقابلاً للمتشابه ، فالواجب أن يفسر المحكم بما يقابله ، ويؤيد ذلك أسلوب الآية وهو الجمع مع التقسيم لأنه تعالى فرق ما جمع في معنى الكتاب بأن قال : " منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات" أراد أن يضيف إلى كل منهما ما شاء منهما من الحكم فقال أولاً : " فأما الذين في قلوبهم زيغ " إلى أن قال : " والراسخون في العلم يقولون آمنا به " وكان يمكن أن يقال : وأما الذين في قلوبهم استقامة فيتبون المحكم ، لكنه وضع موضع ذلك الراسخون في العلم لإتيان لفظ الرسوخ لأنه لا يحصل إلا بعد التتبع التام والاجتهاد البليغ ، فإذا استقام القلب على طريق الرشاد ورسخ القدم في العلم أفصح صاحبه النطق بالقول الحق ، وكفى بدعاء الراسخين في العلم "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا" إلخ شاهداً على أن " والراسخون في العلم " مقابل لقوله : "فأما الذين في قلوبهم زيغ" وفيه إشارة على أن الوقف على قوله : " إلا الله " تام وإلى أن علم بعض المتشابه مختص بالله تعالى ، وأن من حاول معرفته هو الذي أشار إليه في الحديث بقوله : ( فحذروهم ) وقال بعضهم : العقل مبتلى باعتقاد حقيقة المتشابه كابتلاء البدن بأداء العبادة ، كالحكيم إذا صنف كتاباً أجمل فيه أحيانا ً ليكون موضع خضوع المتعلم لأستاذه ، وكالملك يتخذ علامة يمتاز بها من يطلعه على سر . وقيل : لو لم يقبل العقل الذي أشرف البدن لاستمر العالم في أبهة العلم على التمرد ، فبذلك يستأنس إلى