كان الشيخ محمد عبده ينظر إلى حقائق الدين الإسلامي على نحو يختلف اختلافاً واضحاً عما كان ينظر به إليها أكثر معاصريه من علماء الإسلام ، وكانت أصول نظرته تلك قائمة في نفسه يسير عليها ، لكنها غير بارزة المعالم للناس ، كما كانت المناهج الاجتهادية التي سار عليها أئمة المذاهب قبل تدوين أصول الفقه.فكان اتصال الشيخ رشيد به ، فرصة لتفتق تلك المبادئ ، واتضاح تلك الأصول ، بالدور العظيم الذي قامت به مجلة المنار في خدمة الدعوة الإصلاحية.
نشأ الشيخ محمد رشيد رضا في البلاد الشامية ، ببلدة القلمون ، على مقربة من مدينة طرابلس ، من الجمهورية اللبنانية وتكون على المناهج التي يتكون عليها علماء الشام ـ غير الأزهريين ـ من إيثار الجانب المنقول ، من جانبي الثقافة الإسلامية ، على الجانب المعقول منها ، والجنوح إلى طريقة التوسع في المقاصد ، من العلوم الدينية ، عن طريقة التعمق في الوسائل والآلات ، مع التزام خطة من السلوك الصوفي ، والانطباع بأثر من المعارف الذوقية ، ترسخ به أقدام العلماء الشاميين في مقام التربية ، ويشع نفوذهم الروحي ، في مدنهم وقراهم ، بما لا ترسخ به أقدام العلماء في غير البلاد الشامية ، ولا يشع لهم نفوذ روحي على من حولهم.